وكأنه عريس يتوجه إلى الكوشة، شيعت أسرة بالدقهلية نعش جثمان ابنهم بالزينة والزغاريد، حيث حمله أقاربه وأصدقائه لتشييع جنازته إلى مثواه الأخير، مع اصرار والدته على تزيينه بالبالونات الملونة، وأفرع النخيل، في الوقت الذي انطلقت فيه زغاريد النساء، معلنة الوداع، تتقدمهم والدته في طابور منظم بملابس سوداء، وسط ظلام الليل.
اللعب على أحلام الشباب
في محافظة الدقهلية، عاش الشاب هاني بصحبة أفراد أسرته، يعمل في أكثر من مهنة، طالما تدر عليه دخلا حلال، حيث كان يحلم بمستقبل هادئ، ووظيفة أو فرصة عمل مناسبة، واستقرار بأسرة بسيطة، لكن تلك الأماني سرعان ما تبددت، عندما عرض عليه شخص من أبناء قريته، مشاركته في أعمال حفر وسط أرض زراعية، مقابل أجر مغري.
رغم شعور "هاني" بالقلق من تلك الفرصة التي تعتبر مجزية بالمقارنة مع مثيلاتها، لكن صاحب العمل سرعان ما أقنعه، خاصة بعد ما أوهمه أن الحفر لإنشاء بئر، ولا يمثل أي خطورة، وأن أشخاص آخرين سيشاركون في العمل.
الخديعة.. حفر بئر مياه
وافق "هاني" على طلب صاحب العمل، وودع والدته، ووسط أرض زراعية، أعلى تبة رملية، طلب منه صاحب العمل البدء في الحفر بمساعدة آخرين.
بدأ الشاب في الحفر ظنا منه أن البحث بدافع حفر بئر، لكن الأمر اتضح عقب ذلك أنه بدافع التنقيب عن الآثار، وأن هؤلاء الأشخاص استعانوا بسيدة شهرتها الشيخة "أم خلود"، للعثور على كنز أثري مدفون في باطن الأرض، أسفل التبة الرملية.
انهيار حفرة الرمال ونهاية حياة الشاب
واصل الشاب وشركائه الحفر، حتى وصل العمق إلى ما يقرب من مترين، وخلال تواجده بمفرده داخل الحفرة، انهارت الرمال عليه، ودفن جسده أسفلها، ففارق الحياة، ليجد صاحب العمل نفسه متورطا في جريمة، فاستعان بالآخرين، وتمكنوا من انتشال واستخراج جثته، محاولين إسعافه، إلا أنهم تأكدوا من وفاته.
أسرع صاحب العمل للاتصال بوالد الشاب، وأخبره بوفاة إبنه قائلا: "تعالى بسرعة خد جثة إبنك"، لم يصدق الأب في بادئ الأمر ما سمعه، فاستعان بعدد من أفراد أسرته، وتوجهوا للقاء صاحب العمل في المكان الذي حدده له، ليعثر على جثة إبنه، فنقلها سريعا بواسطة سيارة إلى مسكنه، وقرر إبلاغ رجال المباحث بعد تأكده من وجود شبهة جنائية في وفاته.
تكثيف التحريات لكشف ملابسات الحادث
بدأ فريق البحث الجنائي في تكثيف التحريات، لكشف ملابسات وفاة الشاب، وتم تحديد هوية المتهمين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاههم، وأمرت النيابة بدفن الجثة، بعد إنهاء الإجراءات المطلوبة، وتسلم أفراد الأسرة الجثة تمهيدا لدفنها.
وأكدت التحريات أن الشاب تعرض للاحتيال على يد المتهمين، حيث نجحوا في الإيقاع به، وتم اتهامهم بالتسبب في وفاة الشاب.
وأمرت النيابة بتشكيل لجنة أثرية، لمعاينة موقع التنقيب عن الآثار، الذي شهد مصرع شاب خلال أعمال الحفر، لبيان كون المكان آثري من عدمه، وتبين من خلال المعاينة التي أجراها مفتشوا آثار الدقهلية، أن محل الواقعة غير خاضع لقانون حماية الآثار، رقم 117، لسنة 1983، وأن أقرب موقع أثري من المكان، هو تل آثار كوم الحمامات، ويبعد كيلو متر تقريبا.
الزغاريد والزينه في وداع ابن الدقهلية
رفضت أسرة "هاني" أن يمر مشهد وداعه عاديا، خاصة والدته التي قررت أن تحول جنازته إلى زفة، كأنها تزفه لحفل زفافه، فعلقت البلالين، وأفرع النخل على سيارة نقل الموتى التي أوصلت جثمانه إلى المقابر، كما زينت النعش بها، وودعته بالزغاريد في المشهد الأخير لفراقه.