قبل أن تقرأ مقالى هذا، أرجوك أن تتأمل بدقة الجهاز الذي بين يديك والذي تقرأ من خلالة هذه الكلمات، سواءً أكان هاتفاً ذكياً أم حاسباً ألياً، أو أى جهاز أخر من الأجهزة الإلكترونية الحديثة بمختلف صورها و أشكالها. بل أرجوك أن تذهب بعيداً عن ذلك وتنظر حولك قليلاً على كل ما يوجد فى منزلك أو فى مكتبك من أدوات وأجهزة إلكترونية مختلفة وما تستخدمة يومياً من برامج وتطبيقات تكنولوجية أيضاً،
وإسأل نفسك هل أياً منها هو صناعة عربية؟! وهل من بينها منتجاً واحداً عربياً؟! هل ترى أسماً لأى دولة أو شركة عربية مطبوعاً عليها؟! فإذا كانت إجابتك كما أتوقعها لا…ليس الأمر كذلك، فالسؤال المنطقى والبديهى إذاً هو أين تقع دُولنا العربية على خارطة التكنولوجيا العالمية؟! وإلى أين تتجة بُوصلتُها؟! وما هو موقف أمتنا العربية إزاء هذه التحديات الجسام التي يفرضها عصر التكنولوجيا والذكاء الإصطناعى؟ هذا هو السؤال المحوري.
هل يمكننا أن نظل هكذا على وضعنا الحالي مجرد مستوردين للتكنولوجيا وليس مطورين لها، مستخدمين ومستهلكين ننفق أموالنا دولاً و أفراداً للحصول على ما أنتجة العالم المتقدم في الغرب والشرق؟! فما هي أسباب هذا التأخر والتراجع التكنولوجي وعواملة؟! وأين يكمن الخلل الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه من تأخر وتراجع على المستوى التقنى؟ وكيف هو السبيل للخروج من هذه الهوة العميقة التي سقطنا فيها لنصبح مارداً عالمياً في عالم التكنولوجيا؟
إن ما نشهدهُ اليوم من تطورات متلاحقة في عالم التكنولوجيا الحديثة وما يصاحبة من تنافس دولى محموم لتطوير قدرات الذكاء الإصطناعي وتقنياتة يمثل ثورة حقيقة ستؤدى حتماً إلى فرض واقع جديد قادرعلى تغير المشهد تماماً وإحداث تغيرات كبيرة في مختلف نواحى الحياة الإقتصادية والإجتماعية ، وهذا بلا شك سيؤثر بشكل مباشر على سوق العمل وإلى ظهور أنماط جديدة من الأعمال تختلف تماماً عما نعرفة ونراه اليوم سواءً من حيث طبيعة العمل نفسة أوأسلوبة ونوعيتة.
لقد أضحت التكنولوجيا من أهم الأدوات اللازمة للتطور والتقدم، ولا أبالغ إذا قُلت أننا نعيش حقاً فى عصر التكنولوجيا التي أحدثت تحولاً كبيراً في حياة الناس، فنحن جميعاً نشهد رأى العين التطورات المذهلة على الصعيد الرقمى وإستخدام الآلة والذكاء الإصطناعى· التكنولوجيا باتت عنصر ضرورى ومهم جداً فى حياتنا اليومية، بل إنة لم يعد بمقدورِنا الإستغناء عنها في الوقت الراهن وينطبق ذلك على أبسط أمور حياتنا وعلى أكثرها تعقيداً على حدٍ سواء·
لقد عمَت التكنولوجيا لتغطي كل جوانب حياتنا: في المنزل والمدرسة ومكان العمل والمستشفى وأماكن الترفيه والسوبر ماركت،… الخ، فلم يعد بإستطاعتنا إنجاز الكثير من الأعمال بدونها، ولو حدث عطل مثلا في جهاز من الأجهزة لتعطل الإنتاج وربما لتوقف العمل و لخسرت الشركات خسائر مادية فادحة·
وفي وقت يشهد فيه العالم بأثره ثورة الذكاء الإصطناعى والتطور التكنولوجى الهائل والسريع فى مختلف جوانب الحياة، وما صاحب ذلك من ظهور حلول وتقنيات حديثة تسهل سُبل الحياة مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والبرمجيات وشبكات الإتصالات والأنترنت والمواقع الإلكترونية وغيرها من تطورات تكنولوجيه متلاحقه تتسارع وتيرتُها يوماً بعد يوم، لا يزال العالم العربي للأسف الشديد في سُبات نومٍ عميق، يعتمد إعتماداً كلياً على ما تقدمة الدول المتقدمة من أنظمة وبرمجيات وحلول تقنية باهظة الثمن نستهلكها في حياتنا وصناعاتنا وتجارتنا بل وفى أمننا.
لقد أدت القفزات التكنولوجية التي شهدها العالم مؤخراً إلى ظهور فجوات عميقة بين البلدان النامية لا سيما العربية منها وبين البلدان المتقدمة التي تحتكر التقنيات والبرمجيات والتكنولوجيا الحديثة إنتاجاً وإستخداماً، وذلك بفضل التوسع الدائم في الإنفاق علي البحث العلمي ومراكز الأبحاث المتخصصة فى المجال.
إن الأمن التكنولوجى بات يُشكّل قضية حيوية تهدد أمن الدول والمؤسسات والأفراد على حدٍ سواء. ففي عالم يتزايد فيه الإعتماد على التكنولوجيا الرقمية والذكاء الإصطناعى فى شتى المجالات، تسعى معظم الدول جاهدة لمواكبة التطورات المتسارعة وحماية بياناتها وأمنها القومي وتطويرمؤسساتها وبناها التحتية، ولكن ما هو واقع الحال العربي إذاً على مضمار التسلّح التكنولوجى؟ خاصةً فى ظل سباق محموم لتطوير أليات وتقنيات الذكاء الاصطناعى وإستخدامها على نطاق واسع، فالحروب الآن أصبحت حروباً إلكترونية أكثر منها بشرية، تدار بنظام التحكم عن بعد، ومن يمتلك الآلة الأكثر تطوراً هو غالباً من يستطيع التحكم في المعركة. ولكن يبدو أن الدول العربية لا تزال بعيدة عن هذا السباق، تتخلف عنه بخطوات كبيرة.
أتساءل دوماً عن أسباب عدم توطين صناعة التكنولوجيا فى بلادنا العربية ؟ وعن أسباب عدم تطور وتقدم العرب تكنولوجياً ؟! وحين أتحدث عن التطور والتقدم هنا لا أقصد إنتاج وتصنيع المكونات المادية فحسب بل أيضاً تطوير البرمجيات والخوارزميات المرتبطة بالمجال ذاته.
سؤالى هنا، لماذا يسود العالم العربي هذا الفقر المُدقِع والتراجع الشديد في إنتاج وتطوير التكنولوجيا الوطنية رغم الإستهلاك الكثيف لهذه المنتجات فى بلادنا العربية؟ ورغم إمتلاكنا لجميع مقومات النجاح من أموال ومواد خام وكفاءات فردية، فالمنطقة العربية تزخر برؤوس المال البشرية الشابة، فلماذا إذاً لم تتمكن أي دولة عربية بعد من نقل التكنولوجيا المتقدمة إليها، رغم إمتلاكنا لهذه الثروات الهائلة مادياً وبشرياً ؟ العديد من البلدان العربية هى دول غنية بالمال والموارد الطبيعية والكفاءات العلميه.
كما أن معظمها لدية إستثمارات ضخمة في جميع الدول الصناعية الكبرى، بل وحصص في أهم شركات التكنولوجية العالمية ، ولكنها للأسف الشديد رغم كل هذه الإستثمارات لم ننجح في نقل هذه التكنولوجيا المتطوره وتوطينها في الوطن العربى حتى الأن! وخير دليل على ذلك أنه لا يوجد جهاز حاسب ألى أو هاتف ذكى أو جهاز لوحى أو أي منتج آخر عربي رائد وعالي الجودة ينافس على الصعيد العالمي.
إن معظم بلدان المنطقة العربية تسير بخطوات بطيئة متثاقلة، وإن كانت بعض الدول الغنية منها إستطاعت أن تنقل أو تستورد جزءاً من التكنولوجيا المتطورة لكنها حتى الآن لم تتمكن من توطين صناعتها أو تطويرها وإبتكار الجديد فيها، فهي لاتزال مجرد مستخدم ليس أكثر لمثل هذه التقنيات التى تتطور يوماً بعد يوم. إن أغلب بلدان المنطقة العربية لا تزال مُتخلفة عن ركب الدول المتقدمة التي قطعت أشواطاً كبيرة في هذا المجال، نحن نعدُّ من أكثر الدول تراجعاً و فقراً على الصعيد التقنى والتكنولوجى، إنها الحقيقة! فحتى يومنا هذا لا تزال الفجوة التكنولوجية بيننا و بين العالم المتقدم في إتساع مرعب ومستمر.
ولعل من بين أهم العقبات التي تواجه عملية نقل التكنولوجيا من البلدان الصناعية الكبرى إلى بلادنا العربية، هو تفشي الأمية التكنولوجية، والعجز الواضح في الكوادر الفنية القادرة على التطوير والإبتكار، لأسباب كثيرة في مقدمتها هجرة العقول والكفاءات العربية، ناهيك عن حرص وإصرار الدول المتقدمة المالكة للتكنولوجيا فى أن تظل الدول النامية مجرد مستورد ومستهلك ليس إلا في حدود الدور المرسوم لها سلفاً كسوق رائجة لتسويق منتجاتها، وتنشيط صناعاتها، ورواج إقتصاداتها.
لا شك أن هناك قصوراً واضحاً يجب تدراكة سريعاً من خلال العمل على جذب الإستثمارات وتشجيعها، وتوطين الصناعات الإلكترونية والتكنولوجية وإنشاء مناطق حرة لها، وإقامة المختبرات ومراكز الأبحاث المتخصصة في المجال ذاتة وتوفير الموارد الضرورية لها كي لا يفوتنا القطار في هذه الثورة التكنولوجية كما فاتنا سابقاً في عصر الثورة الصناعية…!