لعل ما يطرح السؤال عن هل يصب الله الرزق في شهر رجب ؟، هو ما عُرف من عظم فضل هذا الشر الحُرم ، وكذلك حاجة الإنسان للرزق بشتى صوره وأنواعه مادامت الحياة الدنيا، وحيث نشهد الأيام الأولى من هذا الشهر الفضيل لذا ينبغي معرفة هل يصب الله الرزق في شهر رجب ؟، لاغتنامه والفوز به وفيه.
هل يصب الله الرزق في شهر رجب
ورد في مسألة هل يصب الله الرزق في شهر رجب ؟، أنه نسب بعض أهل العلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسمية شهر رجب بالأصب، وفسروا معناه بأنه يصب في الخير ويكثر.
وقال الماوردي رحمه الله تعالى: " ومن ذلك شهر رجب، روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْأَصَمُّ. وَرُوِيَ: الْأَصَبّ، وقال أبو عبيد: يعني رجبا؛ لأنّ اللّه تعالى يصبّ فيه الرّحمة صبّا.
ونبه الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى أن شهر رجب هو شهرٌ حرامٌ (لأنه من الأشهر الحرام الذي يستعظم فيها ربنا الآثام وإن كانت حراما في سائر السنة إلا أنها في هذه الأيام تكون أشد) .
وأوضح «جمعة» في إجابته عن ( هل يصب الله الرزق في شهر رجب ؟)، أنه سُمِّي "رجب الفرد" (لأنه يأتي منفردًا خارج الشهور التي هي سرد: ذو القعدة، ذوالحجة، المحرم)، و"رجب الأصم" (الأصم أي الوحيد ، مثل الجذر الأصم في الرياضيات؛ وسمى بذلك لأنه جذر واحد فقط، وقيل : لأنه لا تسمع فيه قعقعة السلاح للقتال) .
وأضاف أنه "رجب الأصبّ " (لأن الله يصب فيه الرحمات والبركات والسكينة على عباده صبا) ، وهو تقدمة لرمضان وتهيئة لشعبان، ينبغي علينا أن نستعد لهذا الشهر العظيم، وأن ننتقل من دائرة غضب الله إلى رضاه، ومن معصيته سبحانه وتعالى ومجاهرته بالذنوب ليل نهار ؛ إلى أن نسارع إلى مغفرة من ربنا سبحانه وتعالى.
وأشار إلى أنه يجب علينا أن نتوب إلى الله، والتوبة الصدوق هي التي يعزم فيها الإنسان على ألا يعود للذنوب أبدا، ولكن الله سبحانه وتعالى خلق ابن آدم خطاء يقول فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يعلمنا كيف نربي أنفسنا: (كُلُّ بَني آدَمَ خطاءٌ وَخَيْرُ الخطّائينَ التّوّابونَ) .
وأفاد بأن (خطاء) و (تواب) على وزن (فعال) وهي صيغة تدل على تكرار وقوع الفعل وكثرته؛ فيجب عليك أن تتوب توبة مكررة، وكلما وقعت في الإثم أو المعصية فلا تيأس بل عد إلى الله؛ فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبتك.
واستشهد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَلّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ. فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ. وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ. فَأَيِسَ مِنْهَا. فَأَتَى شَجَرَةً. فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا. قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ. فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ. فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا. ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفتح أمامك الأمل ويأمرك أن تعود إليه سبحانه وتعالى .
وأوصى قائلاً: هيا بنا ونحن نستقبل رجب نستقبلُ توبةً جديدة مع ربنا، وندعوه - سبحانه وتعالى - أن يقيمنا في الحق وأن يغفر لنا ذنوبنا وخطأنا، وأن يعفو عنا وأن يرضى عنا برضاه، وأن ينظر إلينا بنظر الرحمة، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا بما نسينا أو أخطأنا، ولا بما قصرنا عنه أو قصرنا فيه، ونقول له: يا ربنا هذا حالنا لا يخفى عليك فوفقنا إلى الالتجاء إليك.
شهر رجب
يعد شهر رجب هو الشهْر السّابع في التقويم الهجري٬ ولأنّهُ من الأشهرُ الحُرم فهو شهرٌ كريم وعظيم عند الله٬ وهو أحد الشهور الأربعة التي خصّها اللهُ تعالى بالذّكر٬ ونهى عن الظُّلم فيها تشريفاً لها٬ ويتركُ فيه العَرب القتال إحتراماً وتعظيماً لهُ٬ وقد ذكر اللهُ في كتابِهِ العزيز: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))[التوبة:36]٬ أمّا الأشهر الحُرم التّي ذُكرت في الآية فهي مُحرَّم٬ وذي الحجَّة٬ وذي القعدة.
و سُمِّيت الأشهُر الحُرم بهذا الاسم لأنّ الله سُبحانهُ وتعالى منع فيها القِتال إلّا أن يبدأ العدو٬ ولتحريم انتهاك المحارِم فيها أشدّ من غيرِهِ من الأشهر.
يُطلقُ على شهر رجب أحياناً اسم "مضر" نسبةً إلى قبيلة مضر؛ حيثُ كانت هذه القبيلة تُبقي وقتَهُ كما هو دون تغيير ولا تبديل مع الأشهر الأخرى على عكس القبائل الأُخرى من العرب الذين كانوا يغيِّرون في أوقات الأشهُر بما يتناسب مع حالات الحرب أو السّلم عندهم٬ كما اقتضت حكمةُ الله أن فضَّل بعض الأيام٬ والشهور٬ واللّيالي على بعض، و يُسمّى أيضاً رجب بالأصم لأنَّه لا يُنادى فيه إلى القتال، ولا يُسمع فيهِ صوت السِّلاح.
فضل شهر رجب
يعتبر شهر رجب من الأشهر الهجرية المحرمة التي سميت بذلك بسبب تحريم القتال فيها إلا أن يبادر العدو إليه، كما أنَّ انتهاك المحارم في هذا الشهر أشدّ من غيره من شهور السنة، لذلك نهانا الله تعالى عن الظلم وارتكاب المعاصي في هذا الشهر الفضيل، قال تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ )، والحق والصواب أنَّ شهر رجب ليس له فضيلة أو خصوصية على غيره من الشهور باستثناء أنَّه من الأشهر الحرم، كما أنَّ الروايات التي تفيد بنزول آية الإسراء والمعراج فيه لا تبرر وإن صحّت ابتداع عبادات معينة في هذا الشهر كما يفعل بعض الناس، وذلك أنَّ مثل هذه الأفعال لم تكن على عهد النبي عليه الصلاة والسلام أو عهد الخلفاء الراشدين أو التابعين.