في خطوة لافتة تعكس التحولات في المشهد السياسي السوري، عينت "هيئة تحرير الشام" عبد الرحمن فتحي مستشارًا لها في الشؤون الإيرانية، وهو شخصية معروفة بخطبه الجهادية.
ويأتي هذا التعيين في وقت حرج حيث تسعى الهيئة لتطوير علاقاتها مع السنة في إيران، في محاولة لاحتواء نفوذ طهران المتزايد في سوريا. يشير هذا التوجه إلى تحول محوري في استراتيجية الهيئة التي تسعى إلى تقليل التأثير الإيراني في المناطق التي تسيطر عليها.
كيف سيؤثر تعيين سوريا مستشارًا للشؤون الإيرانية على مستقبل العلاقات؟
وفي ظل هذا التحول، تتصاعد التوترات بين "هيئة تحرير الشام" وإيران، حيث يواصل زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، التأكيد على أن إيران تشكل تهديدًا كبيرًا للمنطقة. هذا التعيين يعكس أيضًا التحديات المتزايدة التي تواجهها طهران من قبل المجموعات الجهادية السلفية في المنطقة، ويبرز التأثير المتنامي لهذه الشبكات الجهادية العابرة للحدود.
وأفادت قناة "إيران الدولية" بأن تعيين فتحي مستشارا لشؤون إيران قد يكون بمثابة تحول في استراتيجية الهيئة تجاه إيران والمناطق الكردية، في وقت يواصل فيه زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، التشديد على أن إيران تمثل تهديدًا كبيرًا في سوريا.
من جهتها، تواجه طهران تحديات كبيرة من قبل المجموعات الجهادية السلفية التي تحاربها في المنطقة، حيث إن تعيين فتحي يبرز تأثير الشبكات السلفية الجهادية العابرة للحدود، ويكشف عن هشاشة الوضع الإيراني في سوريا في ظل تعزيز الحركات السلفية.
وجدير بالإشارة إلى أن سياسة "محور المقاومة" هي إستراتيجية متعددة الأوجه، وضعتها الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإيرانية، وعلى الرغم من أن الجانب العسكري هو الأبرز في هذه السياسة، فإنها تشمل مجالات عديدة مثل: الاقتصاد، والثقافة، والدين.
وبعد الأحداث الأخيرة، تلقت إيران ضربة لا يمكن تعويضُها في سوريا، التي يمكن القول إنها تمثل الركيزة الأهم لسياسة "محور المقاومة"، وذلك بعد استثمارها الكبير اقتصاديًا وعسكريًا على مدى 24 عامًا.
وهذا التأثير السلبي قد يمتد ليؤثر على وجود إيران ومستقبله في دول أخرى، مثل: العراق، ولبنان، واليمن، والبحرين، ولذلك، لا يؤثر سقوط بشار الأسد على الوجود الإيراني في سوريا فقط، بل إنه ألحق كذلك أضرارًا جسيمة بمصالح إيران في الدول الأخرى التي تُعد جزءًا من سياسة "محور المقاومة".
وفي هذا السياق، تتعامل إيران مع مسألة نهاية حكم بشار الأسد وصعود المعارضة إلى السلطة من خلال مسارين؛ الأول يتعلق برد فعل الشعب الإيراني، أما الثاني فيتعلق بالجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في المنطقة.
ومن جانبه، قال الدكتور أحمد العناني، المحلل السياسي، إن إيران قد تجد نفسها في موقف صعب جدًا بعد رحيل بشار الأسد، الذي كان يشكل حجر الزاوية في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية. وأوضح العناني: "إيران كانت تعتمد بشكل أساسي على دعم النظام السوري وحزب البعث، ومع رحيل الأسد، ستواجه إيران تحديات كبيرة في الحفاظ على نفوذها في سوريا."
وأضاف العناني في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن القوى المحلية داخل سوريا، مثل الجيش الوطني السوري والفصائل المدعومة من تركيا، ستستمر في معارضة التواجد الإيراني في الأراضي السورية. وأكد أن إيران ستجد صعوبة في استعادة النفوذ الذي كانت تتمتع به خلال سنوات حكم الأسد.
وأضاف العناني: "سوريا كانت تعد بيئة حاضنة للميليشيات الإيرانية، حيث استفادت إيران بشكل كبير من وجودها على الأراضي السورية. هذا التواجد لم يكن مقتصرًا على تهديد إسرائيل والولايات المتحدة فحسب، بل كان يشمل تعزيز مناطق النفوذ الإيراني في المنطقة."
وفي ظل التغييرات المتوقعة في سوريا، يرى العناني أن إيران ستحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجياتها في المنطقة، في محاولة للحفاظ على مصالحها في مواجهة التقلبات السياسية التي قد تنشأ بعد مرحلة الأسد.