عقدت جمعية المهندسين المصرية بالتعاون مع الجمعية العربية للتعدين والبترول ندوة تحت عنوان “تعميق الصناعات التعدينية في سد الفجوة الاستيرادية من خلال القيمة المضافة للخامات”، بحضور المهندس أسامة كمال "رئيس جمعية المهندسين المصرية ووزير البترول الأسبق "، والمهندس علاء خشب" نائب وزير البترول والثروة المعدنية السابق"، والمهندس عبدالله غراب" وزير البترول الأسبق ورئيس الجمعية العربية للتعدين والبترول"، والمهندس فاروق الحكيم "أمين عام جمعية المهندسين المصرية"، بجانب عدد كبير من المهندسين وممثلي الهيئات الجيولوجية وهيئة المواد النووية، بالإضافة إلى رؤساء شركات التعدين والمهتمين بتطوير هذا القطاع الحيوي.
وأكد المهندس أسامة كمال، رئيس جمعية المهندسين المصرية ووزير البترول والثروة المعدنية الأسبق، أن مصر تمتلك إمكانيات هائلة لتطوير قطاع التعدين، إلا أن هناك تحديات تشريعية وتنظيمية تحول دون تحقيق هذه الإمكانيات.
وأشار "كمال "إلى أن مناخ الاستثمار في قطاع التعدين يعاني من غياب الوضوح مستشهدًا بدولة اليابان، التي رغم عدم امتلاكها خامات معدنية، نجحت في تحقيق نهضة صناعية كبرى وأصبحت من أكبر الدول المصنعة للسفن والحديد والصناعات الثقيلة.
وأوضح بأن الاستقرار في قطاع البترول الناتج عن الاتفاقيات الواضحة والمحددة للاستكشاف والإنفاق كان سببًا رئيسيًا في جذب الاستثمارات، مشددًا على أن قطاع التعدين يفتقر إلى هذا الاستقرار بسبب غموض قانون الاستثمار.
وتابع "كمال": قانون الاستثمار الحالي غير واضح المعالم، وغير جاد أو مشجع، وهو العائق الأساسي أمام تطوير قطاع التعدين، مقارنة بدول مثل سيراليون وجنوب أفريقيا وأستراليا والهند، التي تتميز بقوانين استثمارية واضحة وجاذبة.
كما نادى "رئيس جمعية المهندسين المصرية" بضرورة إعداد خريطة استثمارية شاملة تحتوي على بيانات دقيقة حول نوعية الخامات واحتياطاتها المتاحة بما يسهل عملية جذب المستثمرين، لافتا إلى أن جميع الخرائط الجيولوجية الحالية منتهية الصلاحية، مما يؤثر سلبًا على كفاءة عمليات الاستكشاف والتخطيط.
وشدد "وزير البترول الأسبق" على أهمية أن تركز هيئة المساحة الجيولوجية على دورها الأساسي في إجراء دراسات استكشافية حديثة، مشيداً بالجهود المبذولة حاليًا من قبل الدكتور كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية في تطوير بوابات رقمية للمعلومات المتعلقة بالتعدين، والتي ستسهم في تسهيل وصول المستثمرين إلى البيانات اللازمة، معتبرا أن هذة الخطوة ضرورية لحل جزء كبير من مشكلات القطاع.
وبدوره قال المهندس عبدالله غراب "رئيس الجمعية العربية للتعدين والبترول ووزير البترول الأسبق"، على الأهمية الكبرى لقطاع التعدين في دعم الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن الجمعية مستمرة في فتح ملف قطاع التعدين باعتباره أحد القطاعات الواعدة التي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وبين "غراب" أن مصر تمتلك ثروات معدنية هائلة قادرة على إحداث طفرة اقتصادية إذا ما تم استغلالها بالشكل الأمثل وإدخالها في سلاسل التصنيع ذات القيمة المضافة ،موضحاً أن قطاع التعدين لا يقل أهمية عن قطاع البترول، بل يعد مكملًا له .
من جانبه أكد المهندس فاروق الحكيم الأمين العام لجمعية المهندسين، أن النهوض بقطاع التعدين يتطلب تكامل الجهود بين الحكومة، المستثمرين، والجهات البحثية، مع التركيز على استغلال الثروات المعدنية محليًا من خلال سلاسل إنتاج متكاملة تضمن تحقيق عائد اقتصادي مستدام وتحقيق القيمة المضافة المرجوة.
وشدد "الحكيم "على استمرار دور الجمعية في طرح الرؤى والمبادرات التي من شأنها الارتقاء بالدولة المصرية من خلال التنسيق مع كافة الجهات المعنية ومواصلة الحوار مع الخبراء والمتخصصين لضمان تحقيق أفضل استفادة من الثروات الطبيعية المصرية.
وحاضر المهندس علاء خشب، نائب وزير البترول والثروة المعدنية السابق، منوها إلى أهمية قطاع التعدين باعتباره أحد القطاعات الحيوية التي تعتمد عليها العديد من الصناعات الأساسية في مصر، موضحاً أن الدراسات الجيولوجية تثبت أن مصر تمتلك ثروات معدنية ضخمة من الذهب، الحديد، الفوسفات، النحاس وغيرها من المعادن الهامة، إلا أن هذه الموارد لم تُستغل بالشكل الأمثل حتى الآن.
وأشار "خشب" إلى أن الدولة المصرية وبتوجيهات من القيادة السياسية، تسعى إلى وقف تصدير المواد الخام بشكلها الأولي، مع التركيز على إدخال هذه الخامات ضمن عمليات تصنيع متكاملة لتحقيق قيمة مضافة ، وتهدف هذه الخطوات إلى تحقيق النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل جديدة، ودعم سلاسل الإنتاج المحلي.
وكشف خشب أنه تم عقد اجتماعات مكثفة مع رؤساء الشركات الكبرى المتخصصة في إنتاج الفوسفات، المنجنيز، الدهانات، بالإضافة إلى أساتذة من الجامعات المصرية لدراسة سبل تطوير قطاع التعدين وجذب المستثمرين ، مضيفا: توصلت المناقشات إلى أن تحقيق قيمة مضافة حقيقية للخامات المعدنية يتطلب طرح مزايدات لخامات ذات مساحات كبيرة يمكن أن تُبنى عليها صناعات متكاملة ، والتأكيد على وجود احتياطيات جيولوجية مؤكدة تكفي لتشغيل المصانع لمدة لا تقل عن 20 عامًا لضمان الاستدامة.
وأوضح "خشب" أن قطاع التعدين عانى من نقص في التراخيص منذ أوائل التسعينيات، حيث لم تُمنح تراخيص لمساحات تتجاوز 16 كم وفقًا لقانون التعدين القديم أو تعديلاته ، ومع ذلك شهد عام 2021 تطورًا إيجابيًا حين قامت الهيئة العامة للثروة المعدنية بطرح مزايدة جديدة تضمنت إلزام المستثمرين بتحقيق قيمة مضافة للخامات ، مشيراً إلى نجاح هذه المزايدة خصوصًا فيما يتعلق بخام الفوسفات، ما يُعد خطوة هامة نحو تطوير القطاع.
وكشف "نائب وزير البترول والثروة المعدنية السابقة" خلال المحاضرة عن استراتيجية متكاملة تتضمن سبعة محاور للنهوض بقطاع التعدين في مصر، فقد تضمنت المحاور:
أولاً: إنشاء مصانع معتمدة على الخامات المحلية، فقد أكد خشب ضرورة استغلال الخامات التعدينية المتوفرة بكثرة داخل مصر، عبر إنشاء مصانع متخصصة مثل معامل تكرير الذهب، مصانع إنتاج الأسمدة الفوسفاتية، ومصانع إنتاج الزجاج وغيرها من الصناعات التكميلية.
ثانياً: توقيع عقود استيراد طويلة الأمد للخامات، فقد شدد على أهمية دعم المصانع الحالية عبر توقيع عقود استيراد خامات من دول متعددة، خاصة من قارة أفريقيا، مع إنشاء مجمعات صناعية متخصصة لتكسير وطحن الخامات وزيادة تركيزها. كما أشار إلى أهمية التكنولوجيا الخاصة بالطاقة النظيفة واستخلاص الخامات.
ثالثاً: تراخيص البحث وتشجيع القطاع الخاص، فقد طالب "خشب" الهيئة العامة للثروة المعدنية بإصدار تراخيص جديدة للبحث عن الخامات التعدينية، مع التركيز على خامات الطاقة النظيفة، ومنع تصدير المواد الخام بعد ثلاث سنوات ،مؤكدا ضرورة تقديم حوافز للقطاع الخاص لإنشاء شركات متخصصة تدعم الصناعات التعدينية وإعفائها من القيمة المضافة والجمارك لمدة خمس سنوات.
رابعاً: إنشاء معامل تكرير وصهر لجذب المستثمرين، فقد دعا إلى التوسع في إنشاء معامل تكرير (refineries) ووحدات صهر (smelters) للخامات، خاصةً أن الموقع الاستراتيجي لمصر يُتيح لها أن تكون مركزًا لجذب المستثمرين الأفارقة.
خامساً: تدوير المخلفات الإلكترونية والكهربائية، فقد أكد خشب ضرورة وقف تصدير مخلفات الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، مع تشجيع القطاع الخاص على إنشاء شركات متخصصة لإعادة تدوير هذه المخلفات واستخراج الخامات المعدنية منها.
سادساً: إنشاء ذراع فني متخصص، فقد اقترح إنشاء شركات هندسية صغيرة أو متوسطة الحجم متخصصة في تصميم وحدات تركيز الخامات، والعمل على التعاون مع المصنعين العالميين لتطوير المعدات ووحدات تركيز المعادن بما يحقق القيمة المضافة محليًا.
سابعا : تطوير أقسام هندسة التعدين في الجامعات، فقد شدد على أهمية تطوير مناهج أقسام هندسة التعدين في الجامعات المصرية، مع التركيز على تكنولوجيا تركيز الخامات وصهرها وزيادة نقاوتها، بالإضافة إلى إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات التعدينية.
وأوضح "خشب "أن تطبيق هذه المحاور السبعة يتطلب تعاونًا مشتركًا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، واختتم محاضرته بالتأكيد على أن استراتيجية تطوير قطاع التعدين ستسهم بشكل كبير في سد الفجوة الاستيرادية، وتحقيق النمو الاقتصادي، وترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي للصناعات التعدينية ذات القيمة المضافة.
وبدوره أكد المهندس حسن بخيت "وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية الأسبق"، أن نجاح أي استراتيجية خاصة بقطاع التعدين يتطلب تكاتف كافة أجهزة الدولة والعمل وفق منظومة متكاملة ترتكز على المعلومات الدقيقة والصحيحة حول نوعية الخامات المعدنية واحتياجات الأسواق المحلية والدولية .
وأوضح " بخيت"، أن تحويل الثروات الخام إلى قيمة مضافة يتطلب بداية تصنيفًا شاملًا للخامات المعدنية المتوفرة في مصر من حيث الكم والنوع، إلى جانب معرفة الأسواق المحيطة والإلمام بمستويات الطلب والعرض فيها، مؤكدًا أن أي دولة ترغب في وضع استراتيجية ناجحة لخاماتها لابد أن تكون على دراية بالأسواق المحيطة بها.
وتساءل "بخيت "عن مدى تأهيل الكوادر البشرية في القطاعين العام والخاص، مشيرًا إلى أن تحقيق القيمة المضافة يتطلب تدريبًا وتأهيلًا على أعلى مستوى لمواكبة التطورات التكنولوجية والصناعية العالمية.
وأشار "بخيت "إلى أن مصر تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي ومتميز، مما يؤهلها لكي تكون مركزًا إقليميًا لاستقبال الخامات سواء عالية أو متوسطة الجودة من الدول المحيطة، مع إعادة تصنيعها وتحقيق قيمة مضافة تسهم في النهوض بالاقتصاد المصري.
وأكد المهندس محمد عبد العزيز "رئيس شركة فوسفات مصر" أن أولى مقومات صناعة التعدين الناجحة في مصر تبدأ بتوافر المعلومات الدقيقة للمستثمر، حيث يعتمد عليها في اتخاذ قرار الاستثمار بشكل واضح ومدروس، مشيرا إلى أن البنية الأساسية والكوادر البشرية المدربة تعدان من أهم العوامل الداعمة لهذه الصناعة، موضحًا أن مصر تمتلك عمالة مدربة وكفاءات بشرية متميزة، لديها خبرات كبيرة في مجالات التنقيب والتصنيع، سواء في القطاع العام أو الخاص.
وشدد "عبد العزيز" على أهمية إعداد خريطة استثمارية واضحة تتضمن كل البيانات التي تسهّل وتشجع المستثمرين على دخول السوق المصري، سواء فيما يتعلق بـنوعية الخامات الطبيعية المتاحة أو الاحتياطات المؤكدة من المعادن المختلفة.