أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم السجود مع وجود حائل بين جبهة المصلي وموضع السجود كالعمامة؟ فصديقي صلى الظهر وهو يرتدي عمامة على رأسه وكانت تَحُولُ بين جبهته وموضع سجوده في الصلاة، وقد سمعت أنَّ الصلاة بهذه الكيفية غير صحيحة. فما حكم هذه الصلاة؟ وهل هي صحيحة أو لا؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن الصلاة بالكيفية المذكورة -السجود على العمامة وما شابهها- صحيحة شرعًا ما دام قد أتى المصلي ببقية الأركان على وجه التمام، ولم يكن هناك ما يُبطل صلاته، ولا يلزمه إعادتها، والأولى له في قابل الأيام أن يسجد على جبهته وهي مكشوفة، خروجًا من خلاف الفقهاء.
حكم السجود
السجود ركنٌ من أركان الصلاة بنص الكتاب والسنة والإجماع، أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].
وأمَّا السنة: فمنها حديث المسيء صلاته، قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: «ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا» أخرجه البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأمَّا الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على أنَّ المصلي القادر على الركوع والسجود لا يجزئه إلا ركوعٌ وسجودٌ، نقله الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 132، ط. دار الفاروق الحديثة). وحقيقة السجود: وضع بعض الوجه على الأرض مع الاستقبال. كما في "البحر الرائق" لابن نجيم (1/ 309، دار الكتاب الإسلامي).
الكيفية الأكمل للسجود
الأكمل فيه للمصلي القادر عليه: أن يسجد على جبهته، وأنفه، وكفيه، وركبتيه، وأطراف قدميه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ- وَاليَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ» أخرجه الستة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
حكم كشف جبهة المصلي في السجود
اختلف الفقهاء في حكم كشف جبهة المصلي في السجود.
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى: أنَّ كشْف الجبهة في السجود للمصلي غير واجب؛ لأنَّه سبحانه وتعالى قال: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ ومن سجد على عمامته أو غيرها تناوله الاسم كما يتناوله إذا كانت جبهته على الأرض فسجد عليها، ولما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه أنَّه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، ولأنَّ الجبهة عضوٌ أُمِرَ بالسجود عليه فجاز على حائل دونه كالركبة، فلو سجد المصلي على ما يحول بينه وموضع سجوده- صح السُّجود مع الكراهة التنزيهية إن كان لغير عذر.
قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 51، ط. دار إحياء التراث العربي): [(فإن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز)؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسجد على كور عمامته] اهـ.
وقال العلامة الشُّرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح -مع حاشية الطحطاوي-" (ص: 355، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره (السجود على كور عمامته)] اهـ.
قال العلامة الطحطاوي مُحشِّيًا عليه: [قوله: (ويكره السجود على كور عمامته) الظاهر أنَّ الكراهة تنزيهية؛ لما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السجود على كور العمامة تعليمًا للجواز، فلم تكن تحريمية] اهـ.
وقال العلامة علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 69، ط. دار الكتب العلمية) في بيان السجود في الصلاة: [(كما يكره تنزيهًا بكور عمامته) إلا بعذر] اهـ.
وقال الشيخ أبو الحسن المالكي في "كفاية الطالب الرباني" بـ"حاشية العدوي" (1/ 269، ط. دار الفكر): [فإن سجد على كور عمامته ففي "المدونة" يكره ويصح] اهـ.
قال العلامة العدوي المالكي مُحشِّيًا عليه: [(قوله: فإن سجد على كور عمامته).. أي: تمكن جبهتك وأنفك من الأرض ولا تجعل حائلًا بينها وبين الأرض، فإن جعل حائلًا بينها وبين الأرض، أي بأن سجد على كور العمامة إلخ، والكور بفتح الكاف مجتمع طاقاتها على الجبين؛ قاله الشيخ أبو الحسن على "المدونة". (قوله: يكره ويصح) أي: إذا كان قدر الطاقة والطاقتين اللطيفتين، ومثلوا للطاقة اللطيفة بلغة المغاربة بالشاش الرفيع] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير على المقنع" (3/ 507-508، ط. دار هجر): [قال القاضي في "المجرد": إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله، فالصلاة صحيحة رواية واحدة، وهل يكره؟ على روايتين] اهـ.
وذهب الشافعية إلى وجوب كشف الجبهة في السجود للمصلي؛ لما روي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا يصلي في المسجد فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ» قالها مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: يا رسول الله علمني، فقال: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللهُ، ثُمَّ قُمْ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَسَبِّحِ اللهَ وَكَبِّرْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ فَأَمْكِنْ كَفَّيْكَ مِنْ رُكْبَتَيْكَ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى يَعْتَدِلَ صُلْبُكَ، ثُمَّ اسْجُدْ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فَإِذَا صَنَعْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَمَا نَقَصْتَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، ولأنَّ السجود فرضٌ تعلق بالجبهة فوجب أن يلزمه المباشرة بها كالطهارة، وتحصل المباشرة إذا لم يَحُلْ بين المصلي وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه، فلو سجد على طرف عمامته، أو ذيله المتحرك بحركته، لم يصح السجود إن كان عالمًا بعدم الصحة وتعمد فعل ذلك، وإن كان ساهيًا لم تبطل صلاته ويجب إعادة السجود، هذا إذا لم يكن هناك عذر للمصلي، فإن كان عذر كجراحة عصبها بعصابة، وسجد على العصابة، فالسجود صحيح مجزئ؛ لأنَّه يجوز ترك أصل السجود للعذر فترك مباشرة الجبهة لعذر أولى.
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 256، ط. المكتب الإسلامي): [ويجب أن يكشف من الجبهة ما يقع عليه الاسم، فيباشر به موضع السجود، وإنَّما يحصل الكشف إذا لم يَحُلْ بينه وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه، فلو سجد على طرف عمامته، أو ذيله المتحرك بحركته، لم يصح، وإن لم يتحرك بحركته قيامًا وقعودًا، أجزأه] اهـ.
وقال أيضًا: في "المجموع" (3/ 424، ط. دار الفكر): [(فرعٌ): إذا سجد على كور عمامته، أو كمه، ونحوهما، فقد ذكرنا أنَّ سجوده باطل، فإن تعمده مع علمه بتحريمه بطلت صلاته، وإن كان ساهيًا لم تبطل لكن يجب إعادة السجود، هكذا صرح به أصحابنا منهم أبو محمد في "التبصرة"] اهـ.
وقال الإمام أبو الحسين العمراني الشافعي في "البيان" (2/ 217، ط. دار المنهاج) في بيان السجود في الصلاة: [فإن كان بجبهته جراحة، فعصبها بعصابة، وسجد على العصابة، أجزأه؛ لأنَّه لما جاز ترك أصل السجود لعذر فلأن يجوز ترك مباشرة الجبهة لعذر أولى] اهـ.
المختار للفتوى في حكم السجود مع وجود حائل بين جبهة المصلي وموضع السجود
وعلى ذلك: فالأولى في السجود للمصلي القادر عليه أن يسجد على جبهته -وهي مكشوفة-، وأنفه، وكفيه، وركبتيه، وأطراف قدميه، خروجًا من خلاف الفقهاء، إذ "الخروج من الخلاف مستحب"، ولو صلى على ما يحول بين جبهته وبين موضع السجود، فالسجود صحيح على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ولا إعادة عليه؛ لِمَا تقرَّر من أنَّ أفعال العوام بعد صدُورِها منهم محمولةٌ على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلِّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم ما أمكن ذلك.
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ: أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ.
وهذا هو المعتمد في الفتوى، والذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية في عهودها المختلفة، قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامي مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فما قام به صديقك من السجود على عمامته صحيح ولا يلزمه إعادته، وصلاته صحيحة شرعًا ما دام قد أتى ببقية الأركان على وجه التمام، ولم يكن هناك ما يُبطل صلاته، والأولى له في قابل الأيام أن يسجد على جبهته وهي مكشوفة، خروجًا من خلاف الفقهاء.