تحت عنوان "الحلم والأميرة وحكايات خيالية" يطرح معرض الفنان محمود الشريف لأعمال الخزف مجموعة من التساؤلات عن كيف يعيش الفنان حكايات الطفولة، أو كيف تعيش تلك الحكايات داخله، فما سمعه من "حواديت" الجدات والأمهات في قرية تونس بالفيوم، كانت وراء معرضه الفردي الأول المقام في جاليري "نجادة" بالدقي في الفترة من 12 نوفمبر 2024 إلى 2 يناير 2025.
يرسم الشريف رجلا على حصان بذيل سمكة، فحينما كان صغيرًا استمع لحكاية "عروسة البحر" من حكايات التراث، وكان لها ذيل سمكة، كان يحب تلك الحكاية جدا، حتى إنه كان يتساءل في نفسه "لماذا لا توجد أيضًا حكاية عريس والبحر؟" ظل السؤال محفورًا في وجدانه حتى وجد له إجابة من خلال رسمه على طبق كبير لرجل يمتطي حصانا بذيل سمكة، وكذلك رسم على طبق صغير عروسة البحر على حصان بالهيئة نفسها.
أما قصة "الحلم المخيف" فيقول عنها الشريف: "كنا نسمع أن هناك عند البحيرة أشخاصاً مشوهة ومخيفة؛ أشرار يجرون وراء الطيور الطيبة الجميلة ويحاولون الإمساك بها بطريقة مرعبة، وأنا أراقبهم متخفًيًا ومرعوبًا. طاردني هذا الحلم الكابوس كثيرًا؛ لذلك رسمت طيورًا كثيرة على حافة الطبق تحاول الهرب".
يضيف "الحيوانات وحكاياتهم جزء مهم في حياتي، الجاموسة وذكرياتي عن حكاياتها وركوبي فوق ظهرها، هي والبقرة الطيبة. والجمل الذي يحمل المحاصيل، كنت أشعر به ولا أحبه باركا، لذلك تجده في أية رسمة لي وهو في وضع الوقوف. أما الأسد والذي شاهدته في حديقة الحيوان فأرسمه دائمًا مستطيلا، وجسمه يتشابه مع الحيوانات الأليفة ووجهه المعروف. كذلك جسم الغزلان يعجبني جدًا. والتمساح وهو يحاول أكل السمك. دائما ما ستجد السمك في رسوماتي موجها رأسه إلى حافة الطبق محاولا الهرب".
يحب الشريف جميع الحيوانات والطيور، حتى البومة يتغزل في منقارها وعينيها ويراها مظلومة، فهي طائر رقيق ووديع وخجول.
دائما ما نجد في أعمال الشريف الخزفية الطيور والحيوانات وسمك البلطي وأشجار النخيل والزيتون والجميز، وسنابل القمح، والخلفية دائمًا من الأشجار والنباتات.
ولا بد من الإشارة إلى طبق الأميرة، التي تحمل رسالة من الورق البردي المصري المعروف، مكتوب عليها محمود الشريف، والأميرة موتيف يتكرر في الكثير من أعماله.
شاهد محمود الشريف الكثير من الصور لفنانين عالميين، وكان دائمًا ما ينجذب لتلك السيدة التي تعزف على العود، وهو الآلة الموسيقية التي يحبها جدًا، ويحب سماعها، فرسم السيدة بالعود على سجادة، وهي تعزف، كأنها تجلس على البحيرة وسط الطبيعة، فالعود والبحيرة والطيور، وبخاصة طائر البلشون، عناصر رسمها الشريف بطريقته على طبق كبير، ويحب أن يكررها كثيرًا.
وعلى الرغم من أن تجربة هذا المعرض، هي تجربة في الرسم من مخزون الحكايات الشعبية، إلا أن هناك تقنيات تلفت النظر، فقطر الأطباق يتراوح بين ثلاثين وخمسة وأربعين سنتيمتراً، من خلطة طينة مخصوصة من الطين الأسوالي والبولكلي، مضروبة بمهارة فائقة، ومدهونة ببطانة على طريقة الفن الإسلامي، والقطعة محروقة في فرن بلدي بطريقة تقليدية تمامًا، وقد استمر تجهيز هذا المعرض عامًا كاملًا، حيث أنتج الشريف أكثر من مائة طبق، صلح منهم للمعرض 47 طبقًا فقط. فمنذ ديسمبر الماضي، واصل رحلة عمل يومي شاق جدًا، وتجارب مع الطين والعجلة الخشبية اليدوية والبطانة والحرق.
ينتمي محمود الشريف إلى الجيل الأول من المتدربين بمدرسة "فخار تونس" وهو مشروع جمعية بتاح لتدريب أولاد الريف والحضر على صناعة الخزف، بمركز يوسف الصديق في محافظة الفيوم، حيث تدرب على يد الفنانة إيفيلين بوريه، كما اكتسب كثيرًا من الخبرات التقنية على يد الفنان ميشيل باستوري.