في مثل هذا اليوم من عام 43 ق.م، رحل ماركوس توليوس سيسرو، المعروف بـ”شيشرون”، أحد أعظم الفلاسفة والخطباء في التاريخ الروماني. ارتبط اسمه بالفكر السياسي والخطابة الفصيحة، وكان شخصية مثيرة للجدل، حيث تباينت صورته بين المثقف البارز، والسياسي الانتهازي، وأداة في يد السلطة الملكية، وفقًا لآراء المؤرخين ثيودور مومسن وجيروم كاركوبينو.
نشأة شيشرون ومسيرته المهنية
ولد شيشرون عام 106 ق.م، وكان طالبًا مميزًا منذ صغره، وفقًا لما ذكره المؤرخ بلوتارخ. درس القانون الروماني وبدأ مسيرته المهنية كقسطور (مسؤول عن الإدارة المالية) عام 75 ق.م، ثم شغل منصب البريتور، وهو منصب قضائي ذو امتيازات كبيرة. وفي عام 66 ق.م، ألقى أول خطاب سياسي له، عارض فيه كوينتوس لوتاتيوس كاتولوس، مما لفت الأنظار إلى قدراته الخطابية الفذة.
إسهاماته الفكرية
تُعد أبرز إسهامات شيشرون في الفكر السياسي تحليله لنظرية الرواقيين في القانون الطبيعي، وهو المفهوم الذي أصبح حجر الزاوية في الفكر القانوني الغربي لعدة قرون. اعتقد شيشرون أن هناك قانونًا طبيعيًا عامًا ينبع من العناية الإلهية والطبيعة العقلية والاجتماعية للبشر، وهو قانون يتسم بالثبات والصلاحية لكل زمان ومكان. ويرى أن أي تشريع يتعارض مع هذا القانون الطبيعي لا يستحق أن يُعتبر قانونًا. أفكاره هذه أثرت في رجال القانون الرومانيين وانتقلت إلى آباء الكنيسة وأصبحت مرجعًا أساسيًا خلال القرون الوسطى.
دوره السياسي ومواقفه
عمل شيشرون كقنصل وبرز في النصف الأخير من القرن الأول ق.م، وهي فترة شهدت اضطرابات سياسية واسعة وحروبًا أهلية بسبب ديكتاتورية جايوس يوليوس قيصر. وقف شيشرون في صف الحكم الجمهوري التقليدي وعارض قيصر بشدة. بعد اغتيال قيصر، اشتد الصراع على السلطة، فهاجم شيشرون القائد ماركوس أنطونيوس بسلسلة من الخطب الحادة. ورغم براعته السياسية، دخل في تحالفات قصيرة الأمد مع شخصيات بارزة مثل أنطونيوس وأوكتافيان، لكنه أصبح في النهاية ضحية تحالف ثلاثي بين أنطونيوس وأوكتافيان وليبيدوس.
نهاية مأساوية
في ظل الاقتتال الداخلي الذي أعقب اغتيال يوليوس قيصر، كان شيشرون هدفًا لانتقام أنطونيوس. قبض جنود أنطونيوس عليه وقطعوا رأسه ويده اليمنى، وعُرضت هذه الأعضاء في روما أمام العامة كتحذير لكل من يعارض السلطة.