عندما نتحدث عن النهضة الثقافية التي شهدتها مصر في العقود الأخيرة، لا يمكننا إغفال دور فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، الذي لعب دورًا كبيرًا في تطوير دار الأوبرا المصرية ومحيطها الثقافي والفني، لتصبح مساحة نابضة بالحياة الثقافية والفنية، وجعلها مركزًا للإبداع والتفاعل المجتمعي، ومن أبرز مراكز الإشعاع الثقافي في الوطن العربي.
إحياء الأوبرا وبناء مجمع فني متكامل
تولى فاروق حسني الوزارة بعد فترة شهدت غياب الأوبرا المصرية، حيث أُحرقت دار الأوبرا القديمة في عام 1971، وكانت إعادة بناء الأوبرا من أبرز التحديات التي واجهته، تم افتتاح دار الأوبرا الجديدة عام 1988 بالتعاون مع الحكومة اليابانية، التي ساهمت في تصميم وبناء المبنى الحديث على الطراز المعماري الياباني، مع لمسات مصرية تقليدية.
لم يكن الهدف فقط إنشاء مبنى للأوبرا، بل السعي لجعله مركزًا للفنون والثقافة، حرص حسني على توفير مساحات متعددة داخل الأوبرا، منها المسرح الكبير والصغير، ومسرح المفتوح، وقاعات للفنون التشكيلية، مما ساهم في تنوع الأنشطة وتوسيع جمهور الأوبرا.
دعم الفرق الفنية وتوسيع الأنشطة
أولى فاروق حسني اهتمامًا كبيرًا بالفرق الفنية، مثل فرقة باليه القاهرة، فرقة أوبرا القاهرة، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، قدم لهم الدعم اللوجستي والمادي، مما ساعد في تقديم عروض على مستوى عالمي، كما شجع على استضافة الفرق والعروض الأجنبية، مما أتاح تبادلًا ثقافيًا غنيًا.
الساحات المفتوحة حول الأوبرا
كان لفاروق حسني رؤية تتجاوز حدود المبنى إلى الفضاء المحيط، طور الساحات المحيطة بدار الأوبرا لتصبح منصات مفتوحة للفن، من خلال استضافة معارض فنية، حفلات موسيقية، وعروض مسرحية في الهواء الطلق، حولت هذه الساحات إلى ملتقى للفنانين والجمهور على حد سواء من خلال مركز الهناجر، ومركز الإبداع وقصر الفنون وغيرها، مما جعل الثقافة أكثر قربًا من الناس.
لم تكن ساحة الأوبرا في البداية سوى مساحة مفتوحة تحيط بمبنى دار الأوبرا المصرية الجديد، ولكن فاروق حسني رأى فيها فرصة لتحويل هذا المكان إلى مركز ثقافي مفتوح للجمهور، يكمل دور الأوبرا كمسرح للفنون الرفيعة، وحرص على أن تكون الساحة امتدادًا طبيعيًا للأوبرا، تستضيف أنشطة فنية وثقافية متنوعة تعكس الطابع الديمقراطي للفن وتجعله متاحًا للجميع.
تطوير البنية التحتية للساحة
بهدف تحقيق رؤيته، أشرف فاروق حسني على تطوير البنية التحتية للساحة، تضمنت أعمال التطوير تجهيز المساحات الخضراء، إنشاء منصات عرض مفتوحة، وتركيب أنظمة صوت وإضاءة متطورة، كل ذلك ساعد في تحويل الساحة إلى فضاء ملائم لاستضافة الفعاليات المختلفة، سواء كانت عروضًا موسيقية، مسرحية، أو معارض فنية.
وأصبحت الساحة مسرحًا مفتوحًا للعروض الفنية والموسيقية التي تستقطب جمهورًا متنوعًا، قدمت فرق موسيقية مصرية وعالمية عروضًا في الهواء الطلق، مما أتاح للناس من مختلف الطبقات الاجتماعية الوصول إلى الفن بسهولة، كما نظمت في الساحة فعاليات سنوية مثل مهرجان الموسيقى العربية، الذي أضفى طابعًا دوليًا على المكان.
ساحة الأوبرا كمعرض للفنون التشكيلية
كانت رؤية حسني، كفنان تشكيلي، واضحة في توظيف الساحة لاحتضان المعارض الفنية المفتوحة، قدمت الساحة فرصًا للفنانين الشباب لعرض أعمالهم في بيئة تتيح التفاعل المباشر مع الجمهور، مما ساعد على خلق مجتمع فني متكامل ورفع الوعي الثقافي.
إقامة المهرجانات والفعاليات الدولية
أسس حسني العديد من الفعاليات التي عززت مكانة الأوبرا عالميًا، مثل مهرجان القاهرة الدولي للموسيقى العربية، كما كان حريصًا على جعل الأوبرا مكانًا للاحتفاء بالمناسبات الوطنية والدولية، مما جذب فنانين عالميين إلى مصر.
تأثير الساحة على الحياة الثقافية في مصر
ساهمت الجهود التي بذلها فاروق حسني في جعل ساحة الأوبرا نموذجًا للمساحات الثقافية المفتوحة في مصر، لم تعد الثقافة والفنون حكرًا على القاعات المغلقة أو الطبقات العليا، بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، مما عزز من دور الثقافة كعنصر أساسي في التنمية المجتمعية.
تأثيره الثقافي المستدام
لم يكن دور فاروق حسني في النهوض بالأوبرا مقتصرًا على فترة وزارته، بل أسس رؤية ثقافية مستدامة، زرع في الأوبرا ثقافة الابتكار والانفتاح على العالم، مما جعلها مؤسسة قادرة على التجدد ومواكبة العصر، ونجح فاروق حسني في تحويل ساحة الأوبرا إلى رمز للنهضة الثقافية التي شهدتها مصر خلال فترة توليه وزارة الثقافة، وبفضل رؤيته الشاملة، أصبحت الساحة فضاءً يربط بين الفن والجمهور، ونافذة تطل منها مصر على العالم، وتعبر من خلالها عن هويتها الحضارية والإبداعية.