تُعد الكلية الإكليريكية المؤسسة التعليمية الرائدة، التي تتولى مسؤولية إعداد القادة الروحيين للكنيسة (خدام مكرسين وكهنة وآباء أساقفة)، وتزودهم بالمعرفة اللاهوتية والمهارات اللازمة لخدمة الشعب. فهي بمثابة الحصن الذي يحمي العقيدة ويحافظ على التراث الكنسي، كما أنها تمثل العمود الفقري الذي يربط بين الأجيال ويضمن استمرارية الرسالة.
وقال عنها القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس "تقع الكلية الإكليريكية من الأمة القبطية بمنزلة القلب من الجسم لأنها هي التي تخرج الرعاة الذين ينشرون كلمة الله ويبثون روح الحياة في الشعب فهي عماد الكنيسة وركنها الركين وهي طريق الإصلاح الحقيقي".
الكلية الإكليريكية
وفي حوار خاص لـ "صدى البلد"، قال الشماس الاكليريكى فيلوباتير القمص يسطس، إن الأساس الأول لهذه الكلية وضعه القديس مارمرقس، أحد الـ 70 رسولاً وكاروز الديار المصرية، وترك لنا مارمرقس ثلاث جواهر ثمينة: إنجيل مرقس، والليتورجيا المعروفة بـ "القداس الكيرلسي"، والمدرسة اللاهوتية، كان أول من تولى إدارة هذه المدرسة القديس العلامة يسطس، الذي أصبح فيما بعد البطريرك السادس على كرسي مارمرقس.
وتابع: بعده عين القديس أمونيوس مديرا للمدرسة، الذي صار لاحقا البطريرك السابع، وفي عهده أُسندت إدارة المدرسة إلى مركيانوس، الذي أصبح بدوره البطريرك الثامن وقد أنجبت هذه المدرسة شخصيات بارزة مثل البابا بطرس (البطريرك السابع عشر) المعروف بخاتم الشهداء، والبابا أرشيلاوس (البطريرك الثامن عشر)، والبابا أثناسيوس الرسولي (البطريرك العشرين)، والبابا تيموثاوس (البطريرك الثاني والعشرين).
التعاليم اللاهوتية
وأكد أنه من خلال هذه المدرسة تم الحفاظ على التعاليم اللاهوتية المسلمة بالتقليد الرسولي إلا أن المدرسة توقفت عن العمل بسبب الانشقاق الخلقيدوني في منتصف القرن الخامس الميلادي، وانتقلت من الإسكندرية إلى الأديرة الواقعة في الصحراء، وخاصة دير القديس مقاريوس.
وأضاف الشماس الاكليريكى أن إعادة تأسيس الكلية كان في عهد البابا كيرلس الرابع المعروف بلقب “أبو الإصلاح”، لإنشاء مدرسة إكليريكية لتعليم رجال الدين. بدأ جهوده بإعداد اجتماع أسبوعي.
وواصل: أما البابا كيرلس السادس قام بسيامة القمص انطونيوس السرياني أسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية باسم "نيافة الأنبا شنودة"، الذي اخُتير فيما بعد بطريركا للكنيسة في 14 نوفمبر 1971.
- كذلك في حبرية قداسته تمت سيامة القمص باخوم المحرقي أسقف باسم الأنبا غريغوريوس عام 1967م، أسقفا عاما للدراسات العليا اللاهوتية والبحث العلمي والثقافة القبطية، وكانت الكلية في مهمشة.
- تأسيس القسم المسائي الجامعي سنة 1945م بواسطة د. وهيب عطاللَّه جرجس (المتنيح الأنبا غريغوريوس فيما بعد) وكيل الكلية وقتها، الذي وضع لائحة الكلية سنة 1959م. كما أسس القسم الصباحي الجامعي.
البابا شنودة والكلية
وأكمل: أما قداسة البابا شنودة الثالث انشأ فرعا للإكليريكية القسم النهاري بدير السيدة العذراء (المحرق) عام 1973، وأسس قداسته 12 فرعًا للقسم المسائي بالإسكندرية، وطنطا، والبحيرة، والمنوفية، وبوسعيد، والمحلة، وشبرا الخيمة، المنيا، والبلينا، والاقصر، وكذلك بالمهجر نيوجيرسي، ولوس أنجلوس، حيث يدرس بها المرَشحون لنوال سر الكهنوت، والرجال والسيدات المؤهلون العديد من العلوم المسيحية كاللاهوت والتاريخ واللغة القبطية والفن القبطى.
البابا تواضروس والكلية
وتابع: أما قداسة البابا تواضروس الثاني أولى اهتماما خاصا بتطوير التعليم والبحث العلمي في مجالات الدراسات اللاهوتية والكنسية، وسعى للارتقاء بمستوى الكلية الإكليريكية من خلال ترتيب هيكلها الداخلي وبنائه على أسس متينة. ومن أبرز إنجازاته في هذا المجال:
1. تطوير الكادر التعليمي
- تعيين أساتذة حاصلين على درجات علمية متقدمة (ماجستير ودكتوراه).
- تشجيع المدرسين على استكمال دراساتهم العليا، ما أدى إلى تأسيس قسم خاص للدراسات العليا في الكلية.
2. عقد المؤتمرات السنوية:
- تنظيم مؤتمر سنوي لأعضاء هيئة التدريس بفروع الكلية المختلفة، بهدف توحيد الرؤية العامة للإكليريكية وتطوير مهارات التدريس وطرق التقييم والامتحانات.
- إقامة مؤتمر سنوي للطلاب، لمناقشة قضايا مجتمعية تهدف إلى توسيع مداركهم وربطهم بما يجري في المجتمع.
3. تحسين البنية التحتية:
- تجديد مباني الدراسة والإقامة بالكامل، بما يشمل تحديث الأثاث لتوفير بيئة تعليمية ملائمة.
- تحديث معمل الكمبيوتر وإنشاء معمل لغات حديث على أعلى مستوى تقني.
4. تطوير المكتبات:
- تجديد مكتبة الكلية الإكليريكية.
- تخصيص ميزانية سنوية لاقتناء أحدث الإصدارات والمطبوعات المتنوعة.
وقال الشماس الاكليريكى فيلوباتير القمص يسطس، إن بفضل هذه الجهود، أصبحت الكلية الإكليريكية في عهد قداسة البابا تواضروس الثاني مركزا متقدما للتعليم والبحث، يعكس رؤية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مواكبة التطورات العلمية والمعرفية.
الدراسة في الكلية الإكليريكية
وأضاف: تستغرق الدراسة في الكلية الإكليريكية أربع سنوات، يحصل الطالب بعدها على درجة البكالوريوس في العلوم اللاهوتية. إلى جانب الدراسة الأكاديمية، يلتزم طلاب القسم النهاري ببرنامج روحي يومي يشمل الصلوات، والقراءات الروحية، والمشاركة في القداسات، مما يضمن تكوينًا متوازنًا يجمع بين الجوانب الروحية والعلمية.
نظام الدراسة والاختبارات:
1. السنة الأولى:
• تُعد سنة اختبارية، فإذا رسب الطالب خلالها يُفصل نهائيا من الكلية.
2. السنوات اللاحقة:
• إذا رسب الطالب في أكثر من ثلاث مواد في القسم النهاري، يُلزم بإعادة السنة.
• بالنسبة لطلاب القسم المسائي، يُسمح بإعادة السنة في حال الرسوب في أكثر من خمس مواد.
3. السلوك والانضباط:
• تُولي الكلية اهتماما كبيرا بسلوك الطالب ومواظبته، إذ يُشترط تحقيق مستوى لائق من السلوك والتقدير لضمان السماح له بدخول امتحانات نهاية العام.
• في حال عدم تحقيق الطالب المستوى المطلوب، تُمنح له فرصة إضافية لمدة عام ليطور من ذاته، لأن الهدف هو إعداد طالب يكون قدوة ومثالا صالحا لخدمة الشعب.
4. نسبة الحضور:
• تشترط الكلية حضور 90% على الأقل لطلاب القسم النهاري، و75% لطلاب القسم المسائي، كشرط أساسي لدخول امتحانات نهاية العام.
المناهج الدراسية:
يدرس الطالب مجموعة واسعة من المواد التي تغطي مختلف الجوانب اللاهوتية والكنسية، وتشمل:
• اللاهوت: اللاهوت النظري، العقيدي، الروحي، الأدبي، والمقارن، الطقسى.
• الكتاب المقدس: تفسير العهد القديم والجديد.
• الآباء: أقوال الآباء وتعاليمهم.
• اللغات: القبطية، الإنجليزية، اليونانية، العبرية، والعربية.
• المواد الكنسية: علوم الوعظ، التسبحة، الألحان، والأحوال الشخصية.
• الدراسات الفلسفية والاجتماعية: الفلسفة، علم النفس، وعلم الاجتماع.
• الدراسات التاريخية والدينية: تاريخ الأديان.
وأكد أن هذا البرنامج الشامل يهدف إلى إعداد الطلاب علميا وروحيا ليكونوا خداما مؤهلين وقادة مسؤولين في الكنيسة.
وأشار الي أن الكلية الإكليريكية في مصر تعد من أبرز المؤسسات الإقليمية المتخصصة في الدراسة اللاهوتية، حيث تتميز في إعداد اللاهوتيين والكهنة وتوفير التعليم الرائد في المجالات الدينية. تهدف الكلية إلى ترسيخ الفكر الأرثوذكسي في العقيدة والعبادة والتاريخ الكنسي، إلى جانب تناول القضايا التربوية والاجتماعية والدينية المعاصرة. كما تولي اهتمامًا كبيرًا بالبحث اللاهوتي وتطبيقاته العملية في خدمة الفرد والمجتمع.
الحياة الروحية للاكليريكى
وأوضح أن الحياة الروحية تُعد أساس الحياة الكهنوتية ومرجعاً للحياة الجماعية والخدمة، ولذلك تُولي الإكليريكية اهتماماً بالغا بالجانب الروحي، ويتجلى هذا الاهتمام من خلال البرنامج الروحي اليومي الذي يتضمن صلاة الصباح، القداس الإلهي، صلاة المساء، وصلاة ختام اليوم، بالإضافة إلى ذلك، تُنظم الإكليريكية رياضات روحية خلال العام الدراسي، مع التأكيد على أهمية الأبوة الروحية، حيث يرافق الآباء كل إكليريكي بشكل فردي.