في مثل هذا اليوم 30 نوفمبر من عام 1854، منح حاكم مصر، محمد سعيد باشا، امتياز حفر قناة السويس للمهندس الفرنسي فرديناند دي لسبس. كان هذا الامتياز نقطة تحول كبرى في تاريخ الملاحة العالمية، ولكنه حمل في طياته العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية لمصر.
ولاية محمد سعيد باشا وتحديات الامتياز
على الرغم من الإنجازات التي حققها محمد سعيد باشا خلال فترة حكمه، فإن الامتياز الذي منحه لدي لسبس تضمن شروطًا مجحفة أرهقت الاقتصاد المصري. تضمنت هذه الشروط حقوقًا موسعة للشركة الفرنسية مثل استغلال الموارد الطبيعية بدون ضرائب وإعفاء من الجمارك على المعدات المستوردة. بالإضافة إلى ذلك، استدان سعيد باشا بفوائد مركبة لتمويل المشروع، مما أدى إلى ارتفاع ديون مصر إلى ما يقرب من عشرين مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ ضخم جدًا بمقاييس تلك الفترة، خاصة أنه لم يتم توجيه هذه الأموال إلى مشروعات تحقق عوائد ملموسة للبلاد.
نشأة فكرة المشروع وتطورها:
كان دي لسبس، القنصل الفرنسي السابق في مصر، صاحب المبادرة في طرح فكرة حفر القناة على محمد سعيد باشا، مستغلًا قربه الشخصي منه. لقيت الفكرة حماسة شديدة من الباشا الذي أصدر فرمانًا يحدد شروط الامتياز. من أبرز بنود هذا الفرمان أن تمتد مدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ افتتاح القناة، على أن توزع 10% من أرباح الشركة على المؤسسين الذين ساهموا في المشروع بأموالهم أو أعمالهم. كما تضمنت الشروط أن تُعامل جميع الدول على قدم المساواة في ما يتعلق برسوم العبور.
دور محمد علي باشا وتردداته السابقة
جدير بالذكر أن فكرة حفر القناة لم تكن جديدة، فقد طُرحت سابقًا على محمد علي باشا، لكنه رفض تنفيذها بسبب إدراكه للصراع الدولي على الممرات المائية. عُرف موقفه بعبارته الشهيرة: “لا أريد بوسفورًا في مصر”. كان هذا تعبيرًا عن رفضه للتدخلات الأجنبية التي قد تنجم عن المشروع، مثلما حدث في مضيق البوسفور بتركيا.
معاهدات دولية وحسابات سياسية
رغم تردد محمد علي باشا، عاد المشروع للظهور في عهد سعيد باشا مع تزايد الاستثمارات الأجنبية. لاحقًا، اقترح الأمير دي مترنيج، كبير وزراء النمسا، على محمد علي إبرام معاهدة دولية تضمن حيادية القناة وحرية عبورها، لكن فرنسا وإنجلترا رفضتا ذلك في حينه. لم يتم توقيع المعاهدة الدولية الخاصة بالقناة إلا في عام 1888، حيث ضمنت القوى الكبرى مصالحها، وتم التصديق عليها في 1904.