في ساحة الأسئلة الفقهية اليومية، يبرز دائمًا تساؤل يتكرر بين المسلمين: هل الاستحمام يغني عن الوضوء؟ وقد تناولت دار الإفتاء المصرية هذا السؤال في أكثر من مناسبة لتوضيح الحدود والضوابط الشرعية المتعلقة بالطهارة.
الفرق بين الغسل والوضوء
الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أوضح أن الوضوء يقتصر على غسل أعضاء محددة، تشمل الوجه واليدين والرأس والقدمين.
أما الغسل، فهو تعميم الماء على الجسد كله، مما يجعله أشمل من الوضوء.
وأكد الشيخ أن الاستحمام العادي يمكن أن يغني عن الوضوء إذا نوى المسلم الطهارة، حيث قال: "الاغتسال يعم جميع الأعضاء، وبالتالي يتضمن الوضوء وزيادة."
لكنه أضاف: "من الأفضل، كإجراء احتياطي، أن يتوضأ المسلم بعد الغسل، لتحصيل الثواب وتحقيق اليقين الكامل في الطهارة."
نية التطهر وأثرها
من جهته، أكد الدكتور أحمد ممدوح، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء، أن النية تلعب دورًا أساسيًا في الطهارة. فإذا نوى المسلم أثناء الغسل رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإن غسله يكفي عن الوضوء حتى لو لم يراعِ الترتيب في غسل الأعضاء.
وأضاف أن الوضوء قبل الغسل يُعد سنة، لكنه ليس شرطًا لصحة الغسل.
أهمية الطهارة في الإسلام
عقد الدكتور أحمد ممدوح مقارنة بين الطهارة في الإسلام وسائر العقائد الأخرى، مشيرًا إلى أن الإسلام أولى الطهارة أهمية كبيرة باعتبارها شرطًا أساسيًا لصحة العبادات، خصوصًا الصلاة.
وقال: "الطهارة ليست فقط نظافة جسدية، بل هي حالة روحية تعكس استعداد العبد للقاء ربه."
حكم تأخير الغسل من الجنابة
ومن بين الأسئلة الأخرى التي تُطرح بشكل متكرر: هل يجوز تأخير الغسل من الجنابة؟ أجابت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بأنه لا إثم في تأخير الغسل إذا لم يكن ذلك يؤدي إلى تفويت الصلاة.
ومع ذلك، يستحب للمسلم المبادرة إلى الاغتسال فورًا. وأوضحت اللجنة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يبادر دائمًا بالطهارة بعد الجنابة، مما يعكس أهمية الإسراع في إزالة الحدث.
الطريقة النبوية للغسل
وفي سياق متصل، أوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، خطوات الغسل النبوي كما ورد عن السيدة عائشة (رضي الله عنها).
وذكر الترتيب الذي يتبعه المسلم لتحقيق الطهارة الكاملة، بدءًا بغسل اليدين، مرورًا بالوضوء، ثم تعميم الماء على الجسد.
وأشار إلى أن الغسل يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر، مع التأكيد على غسل الشعر وأصوله.
الطهارة بين العادة والعبادة
الاستحمام، كعادة يومية، قد يظنه البعض كافيًا للطهارة الشرعية.
ولكن دار الإفتاء أكدت أن النية تظل العامل الفاصل بين العادة والعبادة. فالنية بتحقيق الطهارة هي ما يجعل الغسل عبادة مقبولة تغني عن الوضوء.
في النهاية، يظل السؤال عن الطهارة فرصة لتذكير المسلمين بأهمية الالتزام بأحكامها واتباع سنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، باعتبارها بوابة للطهارة الجسدية والروحية على حد سواء.