تمثل تحويلات المصريين بالخارج أهم المصادر التي توفر العملة الأجنبية لضمان سعر صرف متوازن للجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وبالتالي الصمود في وجه الأزمات، خاصة وأن دول العالم بأكملها تعاني من أوضاع اقتصادية متوترة في العالم .
قفزة في تحويلات العاملين بالخارج
حققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج تطورا ملحوظا خلال أول 9 أشهر من العام الجاري لأول مرة منذ عامين بعد اختفاء السوق السوداء وتحرير سعر الصرف.
وبحسب بيانات البنك المركزي، فإن تحويلات العاملين بالخارج سجلت في الشهور التسع الأولى من العام الحالي 2024 (الفترة من يناير/سبتمبر 2024) ارتفاعاً بمعدل 42.6% لتصل إلى نحو 20.8 مليار دولار (مقابل نحو 14.6 مليار دولار في نفس الفترة من 2023).
وكان البنك المركزي قرر في مارس الماضي العودة إلى تحرير سعر الصرف للمرة الرابعة في عامين بهدف سد فجوة التمويل الخارجي والقضاء على السوق السوداء لتجارة العملة واستئناف قرض صندوق النقد الدولي.
وعانت مصر خلال عامي 2022 و2023 من تفاقم أزمة النقد الأجنبي بعد خروج استثمار أجنبي غير مباشر بنحو 22 مليار دولار بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.
أبرز المصادر المالية في مصر
وفي سبتمبر ٢٠٢٤ اوضح البنك المركزي ، أن التحويلات ارتفعت بأكثر من الضعف عن ما حققته قبل الإجراءات الإصلاحية التي تم اتخاذها في 6 مارس 2024، حيث اقتصرت في فبراير 2024 على نحو 1.3 مليار دولار.
وأضاف، أن تحويلات المصريين بالخارج شهدت خلال الفترة «إبريل - يونيو 2024» ارتفاعًا بمعدل 61.4%، مسجلة نحو 7.5 مليار دولار، مقابل نحو 4.6 مليار دولار خلال الفترة المناظرة.
واحتلت مصر المرتبة الأولى عربيًا وإفريقيًا، فيما يخص حجم تحويلات المصريين من الخارج طبقاً لآخر التقارير الصادرة من البنك الدولي بشأن قيمة تحويلات المصريين المرتفعة التي تم تسجيلها خلال عام 2023، والتي وصلت إلى ما بلغت قيمته حوالي 24.2 مليار دولار.
كما بين التقرير تواجد مصر في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث حجم التدفق الآتي من تحويلات المصريين لأموالهم من الخارج داخل البنوك الرسمية، ووفقاً للتقرير فإن إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد شهد انخفاضًا في حجم التحويلات الداخلة إلى القنوات الرسمية بما بلغت نسبته حوالي 15%، نتيجة انخفاض التحويلات الداخلة إلى أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والعمالة التي تعمل في الخارج.
وفي هذا الصدد قال الخبير المصرفي محمد عبدالعال، إن تحويلات المصريين العاملين في الخارج تُعتبر من أبرز المصادر المالية في مصر، حيث تعتبر مصر من أكبر الدول المتلقية لتحويلات العاملين بالخارج، مشيرا إلى أن التحويلات تأتي في المرتبة الثانية بعد عائدات الصادرات، لكنها تراجعت إلى المركز الثالث بعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأضاف خلال تصريحات اعلامية، أن الدولة تولي اهتمامًا خاصًا بتنمية هذه التحويلات، حيث تُعد واحدة من أكبر المصادر المالية، إذ بلغت قيمتها بعد أزمة كوفيد-19 31.4 مليار دولار في عام 2021. ومع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية، انخفضت هذه التحويلات تدريجيًا إلى 6.24 مليار دولار.
وأكد أن في مارس 2024، قام البنك المركزي بإجراء إصلاحات اقتصادية، مما أعطى دفعة كبيرة لتحويلات المصريين في الخارج، التي وصلت إلى 20.8 مليار دولار، مواصلا: انخفاض الفائدة الأمريكية وثبات الفائدة المصرية خلال الأشهر الماضية لا يصب في مصلحة الجنيه المصري، أما اتساع الفارق بين سعر الفائدة على الجنيه والدولار يصب في مصلحة الجنيه المصري، وبالتالي يزيد تدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.
ولفت إلى أنه رغم التوترات الجيوسياسية، شهدت مصر تدفقًا تدريجيًا للاستثمارات، حيث وصلت إلى 40 مليار دولار، واستقرت الآن عند حوالي 35 مليار دولار.
لتعزيز مساهمة المصريين فى الخارج
وكانت الحكومة قد أعلنت عن مبادرات عدة لتعزيز مساهمة المصريين فى الخارج فى تنمية وطنهم الأم، وعلى رأسها مؤتمرات «مصر تستطيع»، التى تستهدف ربط المصريين بالخارج بوطنهم، من خلال عقد ٦ مؤتمرات حتى يونيو ٢٠٢٣.
وأثمرت هذه المؤتمرات عن توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين علماء ومستثمرين مصريين بالخارج وبعض الوزارات والجهات المحلية، كما تم تدشين «مؤسسة مصر تستطيع» رسميًّا فى أبريل ٢٠١٩، وتمت دعوة خبراء مصر بالخارج إلى الانضمام للمؤسسة لتحقيق أقصى استفادة من خبراتهم فى مجالات التنمية المحلية.
كما أطقت الدولة مبادرات التنمية المحلية فى مصر من خلال دعم المصريين بالخارج، والتى تعتمد على اختيار عدد من المشروعات الصغيرة الناجحة فى المحافظات ومناقشة تنفيذها، ومن ثم دعم الحكومة المصرية من أجل توحيد جهود إشراك المغتربين المصريين فى تنمية الدولة، عبر تحسين القدرات الوطنية للترويج للاستثمار والصادرات المصرية، إلى جانب الترويج لأول خريطة متكاملة للاستثمار الصناعى فى مصر.
من ناحية أخرى، عملت الدولة على التواصل مع المصريين المقيمين بالخارج، من خلال إطلاق مبادرة «ساعة مع الوزيرة» والتى نظمتها وزارة الهجرة، بهدف الاستماع لآراء المصريين بالخارج ومناقشة أفكارهم ومقترحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
كما تم تقديم خدمات للمصريين فى الخارج تسهل تواصلهم مع وطنهم، مثل تخفيض قيمة الضريبة الجمركية بنسبة ٧٠٪ لتحفيز الاستفادة من المبادرة بين المصريين العاملين بالدول غير الخاضعة لاتفاقيات الإعفاءات الجمركية، وزيادة الفترة المسموحة بها بالاستيراد إلى خمس سنوات بدلا من سنة لإتاحة نزول السيارات التى تم شراؤها بالتقسيط أو من خلال التسهيلات البنكية.
ومن ضمن المبادرات، رفع كفاءة العمالة المصرية، بهدف تيسير اندماج المصريين بالخارج مع المجتمعات المضيفة بشكل رسمى، إذ قامت الدولة بالتدريب من أجل التوظيف، بهدف رفع كفاءة العنصر المصرى بالخارج وتسهيل اندماج الجاليات المصرية فى مجتمعات الدول المضيفة.
وكانت المبادرة قد أطلقت بالتعاون مع ألمانيا لتدريب وتأهيل عدد من العمالة المصرية، ومنحهم فرصا وعقودا رسمية وموثقة للعمل ببرلين، وجارٍ العمل على تعميم تجربة «التدريب من أجل التوظيف» لتشمل التعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبى والمنطقة العربية.
كما أنشأت الحكومة المركز المصرى الألمانى للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج فى نوفمبر ٢٠٢٠، والذى يقدم النصح والإرشاد لإيجاد المسار الوظيفى الصحيح للعاملين فى أسواق العمل بالداخل والخارج، خاصة سوق العمل الألمانية، وإدماج العائدين من الخارج فى المجتمع المصرى اقتصاديا واجتماعيا.
ويمثل المركز إحدى الركائز الأساسية لوزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج لإيجاد البدائل الآمنة فى إطار جهود الوزارة لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأطلقت وزارة العمل حملة (سجل نفسك) الإلكترونية، والتى تتيح للمصريين بالخارج تسجيل بياناتهم، حتى تتمكن كل جهات الدولة من الاطلاع على احتياجاتهم وتسهيل الاتصال السريع بهم.