أثار إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، على خلفية اتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، موجة من التساؤلات حول التبعات القانونية والسياسية للقرار. يأتي ذلك في ظل تعقيدات النظام الدولي وغياب آليات تنفيذية تلزم الدول بتنفيذ قرارات المحكمة.
القرار وأبعاده القانونية
أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت ارتكبا جرائم حرب تشمل استخدام التجويع كأسلوب حرب، إلى جانب القتل والاضطهاد ضد المدنيين الفلسطينيين. القرار، الذي صدر بشكل علني رغم أن مثل هذه القرارات تكون عادة سرية، استهدف تسليط الضوء على استمرار الانتهاكات في غزة، بما يخدم مصالح الضحايا وأسرهم.
نصت الفقرة الأولى من المادة (61) لنظام روما الأساسي على إمكانية عقد محاكمات غيابية في حال تعذر حضور المتهمين، وذلك لضمان سير العدالة، حيث يمكن تمثيل المتهمين بواسطة محامين إذا ارتأت المحكمة أن ذلك يخدم مصلحة العدالة.
وتواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات كبرى في تنفيذ قراراتها، حيث لا تمتلك سلطة إلزامية تفرض على الدول التعاون معها. ورغم أن 123 دولة ملزمة قانونيًا بتنفيذ مذكرات الاعتقال حال وجود المتهمين على أراضيها، إلا أن الغالبية تفتقر إلى إرادة سياسية واضحة لتحقيق ذلك.
- المواقف الدولية:
- أعلنت دول مثل بريطانيا وإيطاليا استعدادها لتنفيذ القرار.
- الولايات المتحدة، غير الموقعة على نظام روما الأساسي، رفضت القرار، حيث توعد المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي مايك والتز بـ"رد قوي".
- من المتوقع أن يتخذ الرئيس المنتخب دونالد ترامب إجراءات ضد المحكمة، تشمل تجميد أصول القضاة ومنعهم من دخول الولايات المتحدة.
ورفضت إسرائيل القرار واعتبرته محاولة لنزع شرعية الدولة الإسرائيلية، مشددة على أنها لن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بأي شكل من الأشكال. يأتي ذلك في سياق انتقادات إسرائيلية سابقة للمحكمة، واعتبارها منحازة ضد إسرائيل.
التداعيات المستقبلية
محاكمات غيابية محتملة: تشير المادة (61) من نظام روما الأساسي إلى إمكانية عقد جلسات محاكمة غيابية للمتهمين، وهو ما قد يزيد من الضغوط السياسية والدبلوماسية على نتنياهو وجالانت.
تصعيد دبلوماسي: قد يؤدي القرار إلى تصعيد التوتر بين المحكمة الجنائية الدولية والدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل.
تأثير القرار على السياسة الإسرائيلية: قد يؤثر القرار على المشهد السياسي الإسرائيلي، خاصة إذا ارتفعت الضغوط الدولية على تل أبيب. كما قد يواجه نتنياهو معارضة داخلية متزايدة، نتيجة للضغوط الدبلوماسية وتدهور صورته على الساحة الدولية.
ويمثل قرار المحكمة الجنائية الدولية خطوة غير مسبوقة في تحميل القادة الإسرائيليين المسؤولية عن الانتهاكات ضد الفلسطينيين، لكنه يظل رهينًا بإرادة الدول الأعضاء في المحكمة لتنفيذه. وفي ظل غياب أدوات الإلزام الدولية، يبقى السؤال الأهم: هل سيترجم هذا القرار إلى خطوات عملية توقف الانتهاكات المستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين، أم سيظل مجرد إعلان رمزي بلا تأثير حقيقي؟
قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي بحركة فتح، الدكتور أيمن الرقب، إن قرار المحكمة الجنائية يمثل انتصارًا عظيمًا رغم العراقيل الدولية، مثل استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن الذي كان يدعو لوقف فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. ومع ذلك، أكد أن المحكمة الجنائية الدولية، بقيادة المدعي العام كريم خان، نجحت في مواجهة الضغوط والتهديدات وأصدرت مذكرة اعتقال تاريخية.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن المذكرة شملت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقائد كتائب القسام محمد الضيف، رغم إعلان استشهاده سابقًا، أنه يصعب على المطلوبين جنائيا التنقل بين الدول الموقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، والبالغ عددها 128 دولة.
وأوضح أن هذه الدول مُلزمة قانونيًا باعتقال أي من المطلوبين حال دخولهم أراضيها، مع الإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الهولندي، التي أكدت اعتقال نتنياهو أو غيره إذا دخلوا هولندا.
وأضاف الرقب أن هذا القرار يمثل إدانة واضحة لجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، بما في ذلك استخدام القتل وسلاح التجويع ضد الشعب الفلسطيني.
وأعرب عن أمله في أن يشجع هذا القرار محكمة العدل الدولية على إصدار حكم يدين الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة. واختتم بالتأكيد على أن دولة الاحتلال وقيادتها تتصرف ككيان خارج عن القانون، وأن هذا القرار يحمل أهمية كبرى في هذا التوقيت، لفضح ممارسات الاحتلال أمام العالم وتشجيع مزيد من الدول على التحرك لتحقيق العدالة.