شهدت مصر خلال العقد الأخير تحولات اقتصادية جذرية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة الدولة على الساحة الإقليمية والدولية. جاء ذلك في إطار رؤية شاملة تبنتها القيادة السياسية لمعالجة التحديات الاقتصادية المتراكمة، وإطلاق برامج إصلاحية ومشروعات قومية كبرى تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الإنتاج المحلي.
هذه الجهود انعكست على مختلف القطاعات، حيث ركزت على بناء بنية تحتية قوية، تعزيز الصناعات الوطنية، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، مما جعل الاقتصاد المصري أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية.
من جانبه، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن ملف الصناعة يعد من المحاور الأساسية والمحورية التي أولاها الرئيس اهتمامًا بالغًا خلال السنوات العشر الماضية، وتم بذل جهود عظيمة لتوفير كافة المتطلبات التي يحتاجها المستثمرون ورجال الصناعة من أجل تعزيز الإنتاج المحلي وتلبية احتياجات الدولة المصرية.
وأضاف الشافعي لـ صدى البلد، أنه تم تقديم دعم كامل للصناعة خلال العقد الماضي، ولكن لتحقيق تطوير حقيقي لهذا القطاع، يجب أولاً تقييم ما لدينا من صناعات قائمة؛ فيجب أن نتعرف على طبيعة الصناعة الحالية في مصر في جميع قطاعاتها، مثل صناعة النسيج، الغاز، الأسمنت، الأغذية، والأمن.
كما ينبغي جمع بيانات دقيقة عن المصانع الموجودة، حجم إنتاجها، المستهلك المحلي، وحجم التصدير. وجود قاعدة بيانات شاملة سيساهم في حل جزء كبير من التحديات التي تواجه الصناعة، ويوفر رؤية واضحة لتطويرها.
واكد أنه في حال كانت هذه البيانات غير متوفرة، يجب العمل على توفيرها، وإن كانت موجودة بالفعل، فلابد من تحديثها لمعرفة المصانع المتوقفة أو المتعثرة، وأسباب تعثرها، وطبيعة نشاط كل مصنع، وقدرته الإنتاجية.
هذا سيساعد في إعادة تشغيل المصانع غير العاملة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتلبية احتياجات السوق المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، كما يجب دراسة فاتورة الواردات لتحديد المنتجات التي يمكن تصنيعها محليًا وتوطين صناعات جديدة تخدم الاقتصاد.
وشدد أنه من الضروري معرفة ما إذا كان الإنتاج المحلي الحالي قادرًا على تلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير، وإذا لم يكن كذلك، فيجب التوسع في المشروعات القائمة أو إنشاء مشروعات جديدة. كذلك، يجب التركيز على المنتجات التي يتم تصديرها دون قيمة مضافة، مثل الفراولة أو البرتقال، والعمل على تصنيعها وتصديرها بأشكال مختلفة مثل التجفيف أو التجميد، هذا من شأنه تحقيق زيادة كبيرة في قيمة الصادرات، مما يقلل من العجز التجاري ويوفر عائدًا دولاريًا أكبر للدولة.
وأشار إلى أهمية وضع رؤية واضحة لتطوير الصناعة أمر حتمي، ويجب أن نحدد آليات واضحة للمرحلة القادمة التي تنقل مصر إلى مكانة متقدمة صناعيًا، ليس فقط على المستوى العربي والإفريقي، بل لتصبح ضمن العشر دول الرائدة عالميًا في هذا القطاع، والآن هو الوقت المناسب لتأخذ مصر مكانتها المستحقة في مجال الصناعة، كعمود فقري للاقتصاد وأداة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال لقاء جمعه برؤساء عدد من الشركات الدولية، أن الدولة المصرية بذلت جهودًا جبارة خلال العقد الماضي لدعم وتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية، مع التركيز بشكل خاص على الصناعة والإنتاج المحلي. وأشار إلى أن الحكومة المصرية عملت بشكل متكامل وشامل على تحسين بيئة العمل والاستثمار في كافة المجالات الحيوية، بهدف تعزيز الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات.
وأوضح السيسي أن الدولة لم تترك مجالًا إلا وطرحت فيه مشاريع وبرامج تنموية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحسين جودة المنتجات المحلية. وأضاف قائلاً: “عايزين ننتج كل حاجة في مصر، ومعندناش وقت نضيعه”، في إشارة إلى العزيمة الكبيرة التي تتبناها الحكومة لتحقيق قفزات نوعية في الاقتصاد المصري.
وخلال كلمته، شدد السيسي على أهمية تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص لدعم الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن المناخ الاستثماري في مصر أصبح أكثر جذبًا بعد سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية.
هذا اللقاء يعكس التوجه الواضح للدولة نحو تمكين الصناعة الوطنية وزيادة مساهمتها في الناتج القومي، مع التركيز على تحويل مصر إلى مركز إقليمي للصناعات المتنوعة.
جدير بالذكر ان مصر بدأت عام 2016 تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل بدعم من صندوق النقد الدولي، شمل تحرير سعر الصرف، وتخفيض الدعم تدريجيًا على الطاقة والمواد الأساسية، مما ساهم في استقرار الاقتصاد ورفع احتياطي النقد الأجنبي لمستويات قياسية.
اتخذت الدولة قرارًا تاريخيًا في نوفمبر 2016 بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، مما عزز مرونة الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، وساهم في تحسين تصنيف مصر الائتماني على المستوى الدولي.
استثمرت الحكومة في مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير شبكة الطرق والكباري، بالإضافة إلى توسيع مشروعات الموانئ البحرية والجوية، مما ساهم في تحسين حركة التجارة والنقل.
شهد قطاع الطاقة في مصر طفرة غير مسبوقة، حيث أطلقت الدولة مشروعات عملاقة مثل حقل “ظهر” للغاز الطبيعي، ومشروعات الطاقة الشمسية في بنبان بأسوان، ما جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة.
5. إصلاحات بيئة الأعمال والاستثمار
أصدرت الدولة قانون الاستثمار الجديد لتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، إلى جانب تقليل البيروقراطية وتحسين الإجراءات الجمركية والضريبية، مما أسهم في جذب مزيد من المستثمرين.
عملت الدولة على إطلاق العديد من المبادرات لدعم القطاع الصناعي، مثل إنشاء مدن صناعية متخصصة (كمدينة الروبيكي للجلود ومدينة الأثاث بدمياط)، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل وزيادة الإنتاج المحلي.
تم تنفيذ مشروعات كبرى مثل استصلاح الأراضي في مشروع “الدلتا الجديدة”، وزيادة إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية كالقمح، لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات الزراعية.
رغم سياسات الإصلاح الاقتصادي، أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا للفئات الأقل دخلًا، من خلال برامج مثل “تكافل وكرامة”، وزيادة الدعم النقدي والغذائي لمواجهة الآثار السلبية للتعديلات الاقتصادية.
اعتمدت مصر استراتيجية للتحول الرقمي من خلال رقمنة الخدمات الحكومية، وإنشاء بنية تحتية تكنولوجية متطورة، ما ساهم في تحسين كفاءة الخدمات وتعزيز الشفافية.
أسفرت هذه الإصلاحات عن تعزيز ثقة المؤسسات المالية الدولية في الاقتصاد المصري، حيث حققت مصر معدلات نمو إيجابية رغم التحديات العالمية، وأصبحت وجهة مفضلة للاستثمار، ومركزًا للتجارة والطاقة في المنطقة.
تُظهر هذه الإصلاحات الاقتصادية رؤية شاملة ومستدامة لتطوير الاقتصاد المصري على مختلف المستويات، مما يؤكد عزم القيادة السياسية على تحقيق نهضة اقتصادية تلبي طموحات الشعب المصري.