مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولاية جديدة، تترقب الأسواق العالمية والاقتصاديون تأثير السياسات التي يعتزم تنفيذها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
وبينما يعرب مؤيدو ترامب عن تفاؤلهم بقدرة الرئيس على تحفيز الاقتصاد والنهوض به، تزداد المخاوف بشأن السياسات التي قد تؤدي إلى تصاعد التضخم، وهو ما يثير قلق الأسواق المالية والمستثمرين، فقد وعد ترامب بزيادة الإنفاق الحكومي وتطبيق سياسات اقتصادية قد تشعل موجة تضخمية جديدة، مما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الأمريكي الذي يواجه بالفعل تحديات كبيرة في ضوء مستويات الدين العام المرتفعة.
وعود ترامب الاقتصادية وتأثيرها على التضخم
أحد أبرز الوعود التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية يتعلق بتخفيض الضرائب بشكل كبير، وهو ما قد يعزز الإنفاق الاستهلاكي ويزيد من الضغط على الأسعار، كما تعهد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 10٪ على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف المنتجات المستوردة وبالتالي رفع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين.
إلى جانب ذلك، يعتزم ترامب اتخاذ إجراءات صارمة بشأن الهجرة، والتي قد تخلق نقصًا في العمالة الأمريكية، مما سيؤدي إلى زيادة الأجور وبالتالي رفع التكاليف على الشركات.
وبحسب تقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية غير الحزبية، فإن السياسات التي يعتزم ترامب تنفيذها قد تضيف أعباء ضخمة على الميزانية الأمريكية تصل إلى 15 تريليون دولار على مدار العقد المقبل. وهو ما قد يزيد من العجز المالي ويؤدي إلى زيادة حجم الدين العام، مما يضغط بدوره على أسعار الفائدة في المستقبل. هذه السياسات قد تكون لها تأثيرات سلبية على التضخم، الذي بدأ في الارتفاع مجددًا بعد فترة من التراجع النسبي.
عودة ترامب تزيد التقلبات الاقتصادية
من جانب آخر، قالت كاثرين مان، المسؤولة البارزة في بنك إنجلترا، إن البنك يجب أن يواصل إبقاء أسعار الفائدة ثابتة حتى زوال المخاطر التي قد تؤدي إلى زيادة التضخم، بما في ذلك تداعيات انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.
وأوضحت مان، التي كانت العضو الوحيد في لجنة السياسة النقدية الذي صوت ضد خفض أسعار الفائدة في الاجتماع الأخير، في خطاب لها أن الصدمات العالمية غالبًا ما كانت تشكل عاملًا أكبر من الضغوط المحلية في دفع التضخم المرتفع في بريطانيا.
وفي حديثها في المؤتمر السنوي لجمعية خبراء الاقتصاد المحترفين في المملكة المتحدة، أشارت مان إلى أن "التطورات السياسية الأخيرة عبر الأطلسي جعلت من السيناريوهات المتعلقة باضطراب التجارة أكثر احتمالًا، وهو ما قد يؤثر على الإنتاج والتضخم في المملكة المتحدة".
كما تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 10٪ على جميع الواردات، و60٪ على السلع الصينية.
وعندما سئلت عن تأثير ولاية ترامب الثانية على التضخم، أكدت مان أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة التقلبات الاقتصادية، وأشارت إلى أن البنوك المركزية بحاجة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تجنب هذه الضغوط التضخمية.
التضخم وأسعار الفائدة في ظل السياسات الجديدة
في وقت سابق من هذا العام، ارتفعت أسعار الفائدة على الديون الأمريكية بسبب مخاوف السوق من التأثيرات المحتملة لهذه السياسات الاقتصادية.
وبالنظر إلى مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي، نجد أن التضخم الأساسي قد ارتفع بنسبة 0.3٪ للشهر الثالث على التوالي، مما يعكس تزايد الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق هدفه المتمثل في السيطرة على التضخم عند مستوى 2٪.
وفي حين أن الفيدرالي الأمريكي قد أقر في الاجتماعات السابقة تخفيضات في أسعار الفائدة، إلا أن التوقعات بشأن وتيرة هذه التخفيضات أصبحت أكثر ضبابية مع عودة ترامب إلى السلطة، حيث يواجه البنك المركزي الأمريكي تحديًا كبيرًا في موازنة السياسة النقدية بما يتناسب مع السياسات المالية التي سيعتمدها ترامب.
وأشار جيروم باول، رئيس الفيدرالي، إلى أنه من المبكر جدًا تقييم كيفية تأثير سياسات الإدارة الجديدة على الاقتصاد الأمريكي، لكنه أضاف أن البنك سيواصل متابعة البيانات الاقتصادية لضمان استقرار الأسعار.
سيناريوهات سياسة الفائدة في 2025
مع توقعات بأن يستمر الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في الفترة المقبلة، تظل هناك تساؤلات حول تأثير سياسات ترامب على هذه القرارات، حيث تشير التوقعات إلى أن البنك المركزي قد يستمر في تبني نهج تدريجي لخفض الفائدة استنادًا إلى تطورات الاقتصاد، ومع ذلك، فإن السياسات التي يعتزم ترامب تنفيذها، مثل تخفيض الضرائب وفرض الرسوم الجمركية، قد تؤدي إلى ضغوط تضخمية قد تدفع الفيدرالي إلى تبني سياسة أكثر حذرًا.
وفقًا للتوقعات الأخيرة، من المتوقع أن تخفض أسعار الفائدة بنسبة 0.5٪ إلى 1٪ في عام 2025، لكن الضغوط التضخمية قد تعرقل هذه التوقعات، مما يزيد من صعوبة تحقيق هدف الفيدرالي في السيطرة على التضخم.
في المقابل، تظهر العقود الآجلة لأسعار الفائدة إشارات إلى أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن يواصل الفيدرالي تبني سياسة خفض أسعار الفائدة تدريجيًا في حال استمرت الضغوط الاقتصادية.
ومع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، يترقب العالم تأثير سياساته الاقتصادية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
ورغم أن ترامب وعد بتحفيز الاقتصاد، فإن التوقعات تشير إلى أن السياسات التي يعتزم تنفيذها قد تشعل التضخم وتضغط على أسعار الفائدة في المستقبل، ومع اقتراب عام 2025، تبقى سيناريوهات الاقتصاد الأمريكي ضبابية، حيث تتزايد المخاوف بشأن قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق استقرار الأسعار في ظل السياسات الاقتصادية الجديدة التي قد يفرضها الرئيس ترامب.