في قرية التل الزوكي بمركز طما شمالي محافظة سوهاج، حيث تتشابك البيوت الصغيرة ويعم الهدوء بين الحقول الخضراء، كان "عاطف" رجلاً معروفًا بين أهالي القرية.
لم يكن مجرد شيخ حصة، بل كان أبًا للجميع، يُصلح بين المتخاصمين، ويساعد المحتاجين، ويشارك في الأفراح والأحزان، حياته كانت سلسلة من العطاء المتواصل، وقلما وُجد من يحمل قلبًا نقيًا مثله.
ذات صباح، وبينما كانت الشمس تتسلل بخجل عبر نوافذ البيوت، تلقى عاطف اتصالًا من مركز الشرطة في طما، طلبوا منه الحضور إلى المشرحة للتعرف على جثة شاب عُثر عليه قبل أيام دون أن يتعرف عليه أحد.
ميت بيودع ميت
شعر شيخ الحصة بثقل المسئولية، فهو يدرك أن دوره لا ينتهي عند حدود منصبه، بل يمتد إلى ما هو أبعد، فكل روح في القرية كانت أمانة في عنقه.
ودّع عائلته وأخبرهم أنه سيعود قريبًا، وبدأ رحلته على الطريق الزراعي "أسيوط-سوهاج"، الطريق كان هادئًا، لا صوت فيه سوى زقزقة العصافير وأصوات المحاصيل التي تهتز بفعل الرياح، فجأة، وفي لمح البصر، ظهر تروسيكل يسير في الاتجاه المعاكس بسرعة كبيرة وكأنه يتحدى قوانين الحياة نفسها، حاول عاطف تجنب الاصطدام، لكن القدر كان أسرع منه، ووقع الحادث في لحظة ملؤها الصدمة والرعب.
تجمّع المارة حول الجسد الملقى على الأرض، محاولين تقديم المساعدة، لكن الحياة كانت قد غادرت عينيه الهادئتين قبل أن يصلوا، نُقل “عاطف” إلى المستشفى المركزي، لكنه لم يصل حيًا.
الخبر انتشر كالنار في الهشيم بين أهالي القرية الذين توافدوا إلى المستشفى بقلوب يملؤها الحزن والذهول، وقف الجميع رجالاً ونساءً، أطفالاً وشيوخًا، يتذكرون هذا الرجل ويتألمون لفراقه.