يصادف اليوم ذكرى ميلاد الاديب الروسي فيودور دوستويفسكي، وكان قد صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان “في محبة دوستويفسكي” للكاتب أليكس كريستوفي، يستعرض فيه حياة وأسرار الأديب الروسي العظيم فيودور دوستويفسكي (1821-1881). يتناول الكتاب جوانب خفية من حياة دوستويفسكي، هذا الكاتب الذي جسّد معاناته الشخصية في أعماله الروائية العظيمة. ويبرز الكتاب مقولة دوستويفسكي الشهيرة: “لم أشعر بالسعادة من قبل.. فطالما كنت أنتظر حدوث شيء”، كاشفًا أن هذا الشعور الدائم بالتوتر والحزن كان جزءًا لا يتجزأ من حياة الروائي، الذي يعتبره البعض رمزًا للألم والفكر العميق.
نشأة دوستويفسكي ومعاناته المبكرة
وُلد دوستويفسكي عام 1821 في عائلة متواضعة، لأبٍ كان يعمل طبيبًا في ظروف قاسية. منذ صغره، كان فيودور طفلًا نشيطًا وفضوليًا يتفاعل باستمرار مع الغرباء. عندما بلغ الخامسة عشرة، فقد والدته بسبب مرض السل، ولم يمض وقت طويل حتى توفي والده في حادث غامض، تباينت الروايات حوله، مما عمّق من حزن دوستويفسكي وشعوره بالفقد.
بداياته الأدبية والعوائق التي واجهها
أُرسل دوستويفسكي إلى معهد الهندسة العسكرية في سانت بطرسبرغ حيث درس الهندسة والمبارزة والعديد من المهارات. ومع أنه كان شغوفًا بالقراءة والكتابة، إلا أن مسيرته الأدبية تعرضت لعقبات، خاصة بعد أن توفي الناقد الأدبي فاليريان مايكوف، الذي كان يخطط لكتابة مقال يضع دوستويفسكي في طليعة كتّاب جيله. وفجأة، فقد دوستويفسكي الدعم الذي كان يعوّل عليه لتحقيق الانتشار.
تجربة السجن وأثرها عليه
في عام 1849، أُلقي القبض على دوستويفسكي بتهمة التآمر ضد الحكومة بعد مشاركته في توزيع منشورات معارضة. قضى ثمانية أشهر في الحبس الانفرادي قبل أن يُقتاد للإعدام، ليتم إلغاء الحكم في اللحظة الأخيرة بأمر من القيصر. لكنه بقي في السجن لمدة أربع سنوات، حيث عاش في ظروف قاسية أدت إلى إصابته بتشنجات عصبية وأمراض جسدية بسبب قلة المرافق الصحية والطعام الرديء. هذه التجربة المريرة ألهمته في كتابة روايته الشهيرة “بيت الموتى”، التي تناول فيها وحشية الحياة في السجون السيبيرية.
بعد خروجه من السجن، وقع دوستويفسكي في حب مدام ماريا إيزيفا، أرملة ضابط، وتزوجها عام 1857. لكن زواجهما كان مليئًا بالصعوبات، حيث أصيب في ليلة الزفاف بنوبة صرع أفزعت زوجته بشدة وأثرت على علاقتها به، مما زاد من تعقيد حياته العاطفية ومعاناته الشخصية.
العودة إلى الكتابة والإدمان على القمار
بعد عودته إلى سانت بطرسبرغ واعتزاله الخدمة العسكرية، استأنف دوستويفسكي حياته الأدبية، حيث كتب عن تجاربه في السجن، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا ووفرت له بعض الأموال. استغل هذه الأموال للسفر إلى أوروبا، لكنه أدمن على لعب القمار، حيث خسر أموالًا طائلة، مما أدى إلى تراكم الديون عليه وأجبره على الاقتراض ورهن ممتلكاته. كان يتنقل بين الفرح واليأس، ويغرق في مزيد من الخسائر بسبب هوسه بالمقامرة.
زواجه الثاني ودور زوجته آنا في حياته
تزوج دوستويفسكي من آنا عام 1866، وكانت داعمته القوية في الأوقات الصعبة. ورغم مشاكله المالية وسلوكه المتقلب، بقيت آنا بجانبه وساعدته على نشر أعماله وترتيب حياته. يُقال إنها رَهنت خاتم زواجها وأثاث المنزل لتسديد ديونه. كان دوستويفسكي يعاني من نوبات صرع مؤلمة، حتى خلال شهر العسل، ما زاد من صعوبة حياتهما.
سنواته الأخيرة وتقدير الشعب الروسي له
في سنواته الأخيرة، برز دوستويفسكي كرمز وطني في روسيا، ودعاه القيصر لتناول العشاء في قصر الشتاء. وعندما توفي في يناير 1881، تجمّع الآلاف في شوارع سانت بطرسبرغ لتوديعه. لقد ترك دوستويفسكي إرثًا أدبيًا خالدًا، وأعماله مثل “الجريمة والعقاب”، “الأخوة كارامازوف”، و”الأبله”، لا تزال تعكس عمق فهمه للطبيعة البشرية وتفاعلاتها المعقدة، كما تعكس حياته المليئة بالتحديات والانتصارات.