شاعر سعودي هو. لكنه مزيج فريد من إرث فكري واجتماعي مصري سعودي..
جذوره تمتد لشاعر قبيلة كندة: "امرؤ لقيس"، وهو ابن الشيخ : محمد صالح باشراحيل صاحب المنتدى الثقافي الذي استضاف كبار المفكرين ورجال الدين والثقافة والفكر والأدب. وقد استكمل مسيرته الثقافية ابنه الشاعر: عبد الله باشراحيل بطل هذه المقالة..
أخواله من مصر؛ فهو إذن ابن مكة والزقازيق معاً، لهذا نشأ عاشقاً للبلدين، وإن كان يفتخر ولا شك أن منبته ومسقط رأسه جاء في البلد الحرام. لقد حصل عبد الله باشراحيل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، ونال الماجستير في الدراسات الدولية، ثم انتقل للفلبين حيث حصل على الدكتوراه من جامعة الشرق في الفلسفة التعليمية.
شارك الدكتور عبد الله في مهرجانات الجنادرية، وله مؤلفات شعرية ونثرية غزيرة ثرية بالمتعة والإبداع؛ لهذا شارك بإحياء أمسية شعرية ضمت 84 شاعراً عالمياً في مهرجان الشعر العالمي بكولومبيا. كما شارك في أمسيات مهرجان المتنبي بسويسرا، وفى مهرجان جرش. بخلاف الأمسيات الكثيرة في مصر والسعودية.
والحق أنه حريص على تلك المشاركات الثقافية المتعددة، وعلى التأليف والإبداع رغم أنه مستشار قانوني ورجل أعمال ورجل خير بارز. فطالما ساهم مع والده في العديد من المشاريع الوطنية والتجارية والخيرية والثقافية. لكن هذا لم يمنعه من ممارسة متعته في الكتابة ونَظْم الشعر. ولأنه ابن مثقف وحفيد أسطورة الشعر، لهذا وجد أن من واجبه أن يؤسس لمنظومة ثقافية تشجع أصحاب المواهب والمبدعين في السعودية؛ ولهذا أسس جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل للإبداع الثقافي بالسعودية تخليداً لذكري أبيه .
الآن، قرر الدكتور عبد الله تكرار تجربته الثرية ونقلها للقاهرة عاصمة الثقافة العربية. كما قرر أن يبدأ نشاطه الثقافي في مصر بإقامة حفل توقيع مؤلف يجمع أعماله الكاملة؛ وقد جاءت في سبعة مجلدات تضم 35 كتاباً تنوعت بين الشعر الفصيح والشعر النبطي والنثر عن دار نشر "منازل"؛ إذ كان الدكتور الشاعر من أصحاب القلم والأعمدة الصحفية المنتظمة، ومَن سواه يزين أعمدة الصحف إذا لم يكن مثله في مقدمة الكتاب البارزين؟!
والحق أننا في مصر قصَّرنا في حق الثقافة السعودية؛ الرواية والشعر والمسرح والمقال الصحفي وغيرها من أنواع الإبداع الأدبي . وهناك أسماء وشخصيات عظيمة، إلى جانب الدكتور عبد الله باشراحيل، في الأدب السعودي ذات بصمة غائرة، لكنها ظلت لفترة طويلة بصمة محلية، أو أنها تنتقل شرقاً إلى دول الخليج، لكننا في مصر لم نقرأ كثيراً روايات أو دواوين شعر سعودية، ومثل هذا الأمر لا بد له أن يتغير ويتطور. لابد من امتزاج ثقافتنا بالثقافة الخليجية التي أسست لنفسها تاريخاً ووضعت لنفسها أسلوباً خاصاً وذائقة تختلف عما عهدناه في مصر. ولا شك أن امتزاج الذائقتين المصرية والسعودية سوف يثمر إبداعاً ثالثاً يجمع أفضل ما فيهما معاً.
لهذا أشجع وأثمِّن تلك الخطوة التي اتخذها الدكتور عبد الله، وهي خطوة مزدوجة: يطبع فيها أعماله الكاملة في مصر، ويؤسس في نفس الوقت لجائزة ثقافية سنوية تشجع المبدعين في مصر للتنافس من أجل إبداع كل ما هو أصيل ومميز بعيداً عن الانتماءات السياسية والتحزب.
الدكتور عبد الله باشراحيل ليس مثقفاً عادياً، كما أن جائزته ومؤلفاته التي ينشرها في مصر ذات الجمهور الممتد، ليست مجرد خطوة عادية. بل هي خطوة هائلة، وهي حدث ثقافي مهم، ينبغي أن نشجعه كمثقفين وكجمهور في مصر والسعودية وكل منطقة الخليج. أولاً: لأننا بالفعل نتمنى خلق هذا الجسر الثقافي بشكل فاعل ونعمقه ونضع له حجر أساس نبني عليه في المستقبل. ثانياً: لأننا نريد ألف مثقف كالدكتور عبد الله يفعل المثل، لأن الفعل الثقافي أوسع نطاقاً من مجرد جائزة سنوية هنا أو هناك، لكنها بداية مطلوبة ورائعة. ثالثاً: لأننا نريد توحيد الجهود الثقافية وبسطها وتوسيع دائرتها. لأن هذا من شأنه أن يرقَي بالمنتج الثقافي ويضعنا على مسار الأدب العالمي بشكل أسرع وأقوي. وإذا كنا قد فشلنا كعرب أن نجتمع معاً سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً فلنجتمع ثقافياً وفكرياً.
إنني إذ أقدم لأعمال ولشخصية الدكتور عبد الله باشراحيل فأنا أقدم علَماً من أعلام الثقافة، لا أقول في السعودية، بل في المنطقة العربية بأسرها. رجل حصل على تكريم من رؤساء عرب كثيرين، من بوتفليقة في الجزائر إلى البشير في السودان، وحصل على عدة أوسمة ودروع وشهادات تقدير وزمالات فخرية في دول عربية وأوروبية عديدة، وكتب عن مؤلفاته عدد كبير من المتخصصين في السعودية وغيرها. أي أنه يُعدّ من نخبة النخبة في السعودية ومنطقة الخليج بأسرها. وهو حينما يقرر أن ينقل تجربته الثقافية أو جزء منها إلى مصر، فهو إذن يؤسس لتيار أدبي وثقافي، ويفجر ينبوعاً من العمل الثقافي والنشاط الفكري يظل جارياً في مصر لسنوات، وربما يتحول في وقت ما لمؤسسة ثقافية تضع بصمتها في تاريخ الحركة الثقافية المشتركة بين مصر والسعودية البلدين الذَين يقتسمان أجمل بحار العالم، ويقتسمان شعبين من أعرق شعوب العالم.
يقول الدكتور عبد الله في أحد قصائده فخراً واعتزازاً:
سيذكرني الأكارمُ بعد موتي بأني الصادقُ الشهم ُالنبيلُ
وأحمدُ خالقي كم ذا حباني بفضلٍ ما يُناظرهُ مثيلُ
وأعلم أن لي عمراً قصيراً وتدركني المنايا والرحيلُ
سأرحل راضياً عنِّي لأنِّي صدقتُ وبالوفاء أنا الجميلُ
ذلك هو موطن فخره، أنه ذو عملٍ نبيل وقولٍ صادق. إذن فإن مشروعاته الثقافية والتجارية والخيرية كلها يمكن وضعها في سلة واحدة، هي سلة الخير والنية الصادقة في نفع الناس. ولهذا يقع في يقيني أن مشروعاته الثقافية في مصر سوف تنبت وتزهر وتثمر بأفضل مما يتمني. وأنها بداية لجسر ثقافي سيمتد بين مصر والسعودية ومن ورائها الخليج. بأعمال ثقافية مشتركة تمزج الثقافتين لتصل بالفعل الثقافي العربي إلى العالمية كما ينبغي لها أن تصل.
هذا شاعر وأديب من الجيل الراسخ، جيل الوسط، فهو من مواليد عام 1951م. قال عنه علي أحمد باكثير وعبد الله عمر بلخير: (الشاعر باشراحيل مرآة نفسه، ومنارة عصره، وشعره حافل بالجمال والخيال، ومجمع الوزن والموسيقي). وقال له أدونيس في رسالة إليه: (إنني رأيت فيك ما يؤكد شاعريتك المتوثبة، وشواغلك الإبداعية، إضافةً إلى تحقيق قفزات تعبيرية وجمالية).
نحن نفتقد الشاعر والأديب الذي يستثمر الإبداع في الآخرين، فيؤسس لجوائز، ويمارس فعاليات محفزة على الحراك الثقافي. نفتقده داخل الحدود وخارجها. ومثل الشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل هو نموذج ينبغي ألا يكون وحده في هذا المضمار. وأن يحذو حذوه المثقفون ممن أسسوا لأنفسهم كياناً، وحان الوقت ليدفعوا أجيالاً بعدهم ويشجعونهم على الإبداع والفعل الثقافي المثمر والمنتِج والمؤسِّس لروافد تبقي لأجيال تالية بعد جيلنا هذا.