يكثر البحث عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حكم تقبيل المصحف إذا سقط، خاصة في ظل حملة السخرية وإدعاء البعض بأنها بدعة لا تصح ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن خلال التقرير التالي نسلط الضوء على أبرز ما جاء في حكم تقبيل المصحف إذا سقط..
هل تقبيل المصحف إذا سقط بدعة
اعتاد الكثير من الناس على تقبيل المصحف إما تبركا وإما تعظيما لما تضمنه من آيات الله وكلامه المعظم، إلا أنهم يجدون حملة من التشكيك والتبديع لهذا الفعل، ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، في بيانه حكم تقبيل المصحف، ردا على فيديو لأحد الدعاة يسخر من تقبيل المصحف: "ما فعله ذلك الرجل يدل على جهله بذلك الحكم في فقه المذاهب الأربعة، مشيرا إلى أنه قد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذكر الحنفية ﻭﻫﻮ اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ - ﺟﻮاﺯ ﺗﻘﺒﻴﻞ اﻟﻤﺼﺤﻒ ﺗﻜﺮﻳﻤﺎ ﻟﻪ، ﻭﻫﻮ اﻟﻤﺬﻫﺐ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ، ﻭﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﺳﺘﺤﺒﺎﺑﻪ، ﻟﻤﺎ ﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ: ﻛﺎﻥ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻤﺼﺤﻒ ﻛﻞ ﻏﺪاﺓ ﻭﻳﻘﺒﻠﻪ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻋﻬﺪ ﺭﺑﻲ ﻭﻣﻨﺸﻮﺭ ﺭﺑﻲ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻤﺼﺤﻒ ﻭﻳﻤﺴﺤﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ.
كما ﻗﺎﻝ اﻟﻨﻮﻭﻱ ﻓﻲ اﻟﺘﺒﻴﺎﻥ: ﺭﻭﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪ اﻟﺪاﺭﻣﻲ ﺑﺈﺳﻨﺎﺩ ﺻﺤﻴﺢ ﻋﻦ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺃﻥ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻬﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻀﻊ اﻟﻤﺼﺤﻒ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻛﺘﺎﺏ ﺭﺑﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺭﺑﻲ، كما ﻧﻘﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﺭ ﻋﻦ اﻟﻘﻨﻴﺔ: ﻭﻗﻴﻞ: ﺇﻥ ﺗﻘﺒﻴﻞ اﻟﻤﺼﺤﻒ ﺑﺪﻋﺔ، ﻭﺭﺩﻩ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﻧﻘﻠﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ.
ﻭقد ﺭﻭﻱ ﻋﻦ الإمام ﺃﺣﻤﺪ: اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﺗﻘﺒﻴﻞ اﻟﻤﺼﺤﻒ، ﻭﻓﻲ ﺟﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺭﻓﻌﻪ ﻭﺇﻛﺮاﻣﻪ، ﻷﻥ ﻣﺎ ﻃﺮﻳﻘﻪ اﻟﺘﻘﺮﺏ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻘﻴﺎﺱ ﻓﻴﻪ ﻣﺪﺧﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﺐ ﻓﻌﻠﻪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺗﻌﻈﻴﻢ ﺇﻻ ﺑﺘﻮﻗﻴﻒ، ﻭﻟﻬﺬا ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﺠﺮ: ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻲ ﺭﺃﻳﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﺒﻠﻚ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﺘﻚ.
وشدد أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط على أن تقبيل المصحف جائز عند بعض فقهاء المذاهب الأربعة وله أصل من فعل السلف، وما كان يصح لهذا الداعية أن ينكر على المسلمين هذا الأمر قبل أن يطالع فقه المذاهب الأربعة التي وافقت عليها الأمة.
وأكد مرزوق أن تقبيل المصحف يكون واجبا إذا وقع المصحف من يد المسلم، مستدلا بفعل علماء الأزهر دون وجود من ينكره، مبينا أن الآفة الكبرى هي عدم مراجعة فقه المذاهب الأربعة وأكبر منها طعن الجهلة فيها.
هل يجب تقبيل المصحف إذا سقط
كما بين الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، حكم تقبيل المصحف إذا سقط، أنه لم يكن من عادة النبي، لأن زمن النبي لم يكن هناك مصحف، ومفهوم البدعة هنا خطأ ولا نلتفت إلى ذلك.
وأضاف، على جمعة أن تقبيل المصحف تعبير عن تعظيمه وتقديسه، كما يقبل الإنسان الحجر الأسود تعظيما له، ولذا لا بأس في أن يقبل المسلم المصحف الشريف.
وقال مفتي الجمهورية السابق، إن الجماعة النابتة حرموا تقبيل المصحف ودليلهم في ذلك ما قاله ابن حنبل في كتابه يحرم تقبيل الجمادات، لافتا إلى أنهم لم يقرأوا ما قاله كاملا، حيث قال: "يحرم تقبيل الجمادات ما لم يأت بها الشرع"، وهذا الكلام قاله بسبب تقبيل الحجر الأسود.
وأضاف "جمعة" خلال برنامج "والله أعلم" المذاع على فضائية ال "سي بي سي" أن سيدنا "عثمان وعلي" قبلا المصحف وهذا شرع يمكن العمل به لأنه لو كان حراما ما فعلاه رضوان الله عليهما، موضحا أن الجماعة النابتة لا يجيدون فهم النصوص أو تفسيرها، حسب أهوائهم الشخصية، وغير ذلك فهو ضدهم، لافتا إلى ضرورة الرد عليهم والتوضيح بالحجة والبرهان حتى لا تشيع أفكارهم الخاطئة بين المواطنين.
حكم تقبيل المصحف إذا سقط
كما أجازت دار الإفتاء المصرية هذا الفعل، موضحة أن العلماء أجازوا تقبيل المصحف الشريف تعظيما لشأنه، وتقديرا لحرمته، فهو كتاب الله تعالى والمعجزة الكبرى لسيدنا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-، مؤكدة أن تقبيل المصحف جائز ولا حرج فيه.
وأضافت الإفتاء فى فتوى لها، أن الحصكفي الحنفي قال في "الدر المختار" (6/ 384): "وفي القنية في باب ما يتعلق بالمقابر: تقبيل المصحف، قيل: بدعة؛ لكن روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبله ويقول: عهد ربي ومنشور ربي عز وجل، وكان عثمان -رضي الله عنه- يقبل المصحف ويمسحه على وجهه".
وأوضحت أن ابن حجر الهيتمي الشافعي قال في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (1/ 155): "واستدل السبكي على جواز تقبيل المصحف بالقياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والصالح والوالد؛ إذ من المعلوم أنه أفضل منهم"، وقال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 137): "(ويباح تقبيله) قال النووي في التبيان: روينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه، ويقول: كتاب ربي، كتاب ربي".
كيفية التعامل مع أوراق المصحف الممزقة
كما ورد سؤال مضمونه: "لدى مصحف أوراقه مقطعة وأريد أن أحرقه فهل يجوز ذلك؟"، أجاب عنه الدكتور محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وذلك خلال لقائه بالبث المباشر المذاع على صفحة الإفتاء عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وقال وسام: "فى مثل هذه الأحوال يوجد هناك حافظات لمثل هذه الأوراق حتى تعامل باحترام، فلا نعتبرها مثلها مثل أى أوراق أخرى، بل علينا أن نحترمها لأنها مكتوب فيها كلام الله عز وجل".
وأضاف: "عليك أن تحاول أن تصور الصفحات التى تنقصه حتى يتم ولك فى ذلك الثواب، لكن إن لم يكن بمقدرك هذا يمكن أن تضعه فى شيء يسمى إعادة تصنيع الورق بتعامل محترم يليق بهذه الأوراق التى كتب فيها كلام الله".