قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، فيليب لازاريني،إن تصويت البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ضد الأونروا هذا الأسبوع أمر شائن ويشكل سابقة خطيرة، وهو يمثل أحدث حلقة في حملة مستمرة لتشويه سمعة الأونروا ونزع الشرعية عن دورها في توفير التنمية البشرية والمساعدة للاجئي فلسطين.
وأوضح "لازاريني" خلال كلمته في الاجتماع رفيع المستوى للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، أن المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين دعوا علناً إلى تفكيك الأونروا، حيث جعلوها هدفاً للحرب في غزة، في تحد لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، بما في ذلك خطة لاستبدال الأونروا في القدس الشرقية بالمستوطنات، مضيفا، أن هذه القوانين لن تؤدي إلا إلى تعميق معاناة الفلسطينيين، وهي لا تستهدف الأونروا فحسب؛ بل هي أيضا ضد الفلسطينيين وتطلعاتهم، ونحن نشهد محاولة متعمدة لتغيير المعايير الراسخة منذ فترة طويلة لحل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأضاف "لازاريني" أن الآثار المترتبة على الاستقرار الإقليمي والسلام والأمن الدوليين هائلة، ولعقود من الزمن، عانى الفلسطينيون في الأرض الفلسطينية المحتلة من الحرمان المنهجي من الحقوق الأساسية، والفصل، والحصار المنهك على غزة، والتوسع الاستيطاني المستشري في الضفة الغربية، ودورات متكررة من النزاع، مشيرا إلى أنه على مدار العام الماضي، اكتسبت الجهود لإنهاء إمكانية قيام الدولة الفلسطينية زخمًا رهيبًا، وبذلك، تراجعت احتمالات حل الدولتين تدريجيًا وقد دمر قطاع غزة بالكامل.
واستطرد"لازاريني" قائلا: أفادت التقارير إلى مقتل أكثر من ثلاثة وأربعين ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، ونزح غالبية سكان القطاع ولعدة مرات كما حوصر مليونا شخص في جحيم رهيب لأكثر من اثني عشر شهراً، وتم حصر معظمهم الآن في 10% من قطاع غزة، وفي ظروف معيشية لا تطاق، وفي الوقت نفسه، حوصر مائة ألف شخص بشمال غزة في حصار كامل، ينتظرون الموت إما بغارة جوية أو جوعاً، وهناك 660 ألف طفل في مختلف أنحاء غزة أصبحوا خارج المدارس ويعيشون بين الركام والأنقاض، غالبيتهم يعيشون بمفردهم دون وجود أي فرد من الأسرة على قيد الحياة، وهؤلاء الأطفال مصابون بصدمات نفسية ومعرضون بشدة للاستغلال، بما في ذلك التجنيد من قبل العصابات الإجرامية والجماعات المسلحة.
ولفت "لازاريني" إلى أنه في الوقت ذاته، يستحوذ النزاع المتصاعد على الضفة الغربية المحتلة، ويشكل عنف المستوطنين والتوغلات العسكرية التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية واقعاً يومياً، كما يتم تدمير البنية التحتية العامة بشكل منهجي أثناء العمليات العسكرية، مما يفرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين، كما يقترب الاقتصاد من حافة الانهيار، وتتزايد حالة اليأس، أما النشاط الاستيطاني غير القانوني فهو مستمر بوتيرة سريعة في تحدٍ لأحكام محكمة العدل الدولية.
واستطرد قائلا، إن ما يحدث في غزة والضفة الغربية يبعدنا أكثر فأكثر عن احتمالات السلام، والتعايش، وتقرير المصير وبدلاً من ذلك، فإنه يقودنا إلى مسار من شأنه أن يجلب حرباً لا نهاية لها وبؤساً للإسرائيليين والفلسطينيين لأجيال قادمة.
وأضاف "لازاريني" أنه على مدى 75 عاماً، كانت الأونروا منارة أمل للاجئي فلسطين، وفي انتظار حل سياسي عادل ودائم، عملت الأونروا لعقود من الزمن على منح لاجئي فلسطين حياة كريمة تستند على حصولهم على الحقوق الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، حيث إننا قمنا بتعليم أجيال من الطلاب، حقق العديد منهم نجاحاً ملحوظاً في المنطقة وحول العالم، ونحن الآن نتحمل مخاطر التسبب في التضحية بجيل كامل من الأطفال في مختلف أنحاء غزة والضفة الغربية، وعلى سبيل المثال، فإن الفشل في إعادة 600 ألف طفل إلى الأمان النسبي لبيئة التعلم يعني التضحية بجيل كامل وزرع بذور الكراهية والتطرف في المستقبل.
وأكد "لازاريني" أن الأونروا تمكنت في أوقات الحرب من التحول بسرعة إلى آلة مساعدات إنسانية، حيث تحول معلمونا إلى مديري مراكز إيواء بين عشية وضحاها، وتحولت عياداتنا إلى غرف طوارئ وسط انهيار شبه كامل للمستشفيات، ومؤخراً، لعبنا دوراً حاسماً في المرحلة الأولى الناجحة من حملة التطعيم الطارئة ضد مرض شلل الأطفال، وعلى مدى العام الماضي، كانت الأونروا بمثابة شريان الحياة لسكان غزة، ورغم هذا، وربما بسببه، فقد دفعنا ثمناً باهظاً، لقد قُتل ما لا يقل عن 237 من زميلاتنا وزملائنا، غالبيتهم قتلوا مع عائلاتهم، كما تضرر أو دمر ما يقرب من 200 من مباني ومنشآت الوكالة، ما أسفر عن مقتل مئات النازحين الذين كانوا يسعون للحماية في منشآت الأمم المتحدة، وقد تعرضت قوافلنا للمساعدات والتي تحمل علامات واضحة للقصف والنهب من قبل أطراف مسلحة.
وأشار "لازاريني" إلى أن القيود المفروضة على دخول الإمدادات المنقذة للحياة إلى غزة تعني أن شاحنات المساعدات تُهْمَل على الحدود، بينما يتضور الناس جوعاً على بعد بضع كيلومترات، حيث إن أحدث مشاريع القوانين التي أقرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) تسعى إلى إنهاء التنسيق مع السلطات الإسرائيلية، ما يعرقل عملياتنا في الأرض الفلسطينية المحتلة، مضيفا ان الاستجابة الإنسانية برمتها في غزة، والتي تعتمد على البنية التحتية للأونروا، على المحك، وإن الفشل في التصدي لمحاولات ترهيب الأمم المتحدة وتقويضها قد أرسى سابقة خطيرة وأكبر مثال على ذلك ما يحدث في لبنان والهجمات الدنيئة والمقيتة على قوات اليونيفيل.
و أكد "لازاريني" أن الهجمات على الأونروا هي هجمات ضد النظام الأوسع القائم على القواعد الموروث من الحرب العالمية الثانية، وسوف تعمل على إضعاف نظامنا العالمي المتعدد الأطراف، كما أن الهجمات على الأونروا مدفوعة سياسيًا بهدف الغاء "وضع لاجئي فلسطين"، ولكن "وضع لاجئي فلسطين" قائم بشكل مستقل عن الخدمات التي تقدمها الأونروا، وسوف يحتفظ اللاجئون بهذه الصفة إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي، ولا يمكن تقرير مستقبل لاجئي فلسطين خارج الإطار السياسي. وإذا كان من الممكن أن تنهار وكالة تابعة للأمم المتحدة تتمتع بتفويض من الجمعية العامة لأن دولة عضو واحدة في الأمم المتحدة تتحدى النظام الدولي القائم على القواعد، فما الذي سيبقى قائما؟.
كما طالب "لازاريني" خلال كلمته في الاجتماع رفيع المستوى للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين قائلا:..
أولاً، أحثكم على استخدام كل الأدوات السياسية والدبلوماسية والقانونية المتاحة لكم لرفض محاولات إسرائيل لتفكيك الأونروا، وتهميش الأمم المتحدة، وتقويض التعددية. وهذا يعني ضرورة إلغاء مشاريع القوانين هذه، أو تعليق تطبيقها.
ثانيًا، أطلب منكم حماية دور الأونروا اليوم وخلال الانتقال الطويل والمؤلم حتمًا بين مرحلة وقف إطلاق النار ومرحلة "اليوم التالي".
ولهذا، سوف نحتاج إلى دعمكم السياسي والمالي.
وأخيرا، ومن خلال منبر هذا "التحالف الدولي"، أحثكم على تحديد مسار سياسي قابل للتطبيق نحو حل الدولتين، والذي من شأنه أن يحل في النهاية محنة لاجئي فلسطين.
وحتى ذلك الحين، أحثكم على ضمان استمرار الأونروا بالإيفاء بالدور الذي لا غنى عنه للاجئي فلسطين.