طوبى للإنسان الرباني في زمن كثرت فيه الفتن وانتشر فيه الإلحاد والشر والبعد عن طريق الله والحق والخير .. مصطلح "الإنسان الرباني" يُشير إلى الإنسان المنسوب إلى الرب والمقتدي بتعاليمه، الذي يتمتع بإيمان قوي وحقيقي ويتصف بصفات روحية وأخلاقية عميقة، ويتبع القيم والتعاليم الربانية، ويسعى لتقوية علاقته بربه لتحقيق التوازن بين حياته الدنيوية والأبدية.. قال تعالى: "..كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ" (آل عمران: 79).
الأصل في السياق القرآني، الرباني هو العالم العامل بعلمه، والمعلم البصير الدارس لكتاب الله والمتمسك به .. ويمكن للعبد أن يكون عبداً ربانياً إذا اتصف بهذه الصفات من العلم والصبر والحكمة والزهد والعبادة، وتعليم الناس الخير ونشر السلام والمحبة بينهم.
من الخصائص الروحية التي يتمتع بها الإنسان الرباني أنه يعتمد على الإرشاد الروحي في حياته اليومية، ويؤمن أن أحداث حياته مرتبة ومقدرة، ويؤمن بالمعجزات حتى ولو كانت بشكل يتماشى مع مادية العصر وسرعته وطبيعته.. يتمتع بصفات أخلاقية مثل العدل والرحمة والصبر والتواضع والحكمة، ويسعى لمساعدة الآخرين وتخفيف معاناتهم ونشر الخير داخل المجتمع.. يسعى لتقوية علاقته بالله من خلال الصلاة والدعاء وأعمال الخير الخالية من النفاق أو السعي للمجد الشخصي.
الإنسان الرباني يسعى دائماً لترك أثر إيجابي في حياته وفي حياة الآخرين، ويرى كل الأشياء بمنظور تفاؤلي، فيرى من النار نوراً، ومن الطوفان أرضاً جديدة، ومن الموت حياة.. يؤمن أن كل نهاية تأتي بعدها بدايات جديدة، لأنه يربط كل ما يرى بالكون من حوله من خلال نظراته التأملية والفلسفية، فمثلما يرى الشمس تسطع وسط الغيوم، والفجر يأتي بعد الليل، كذلك يدرك أن العسر يأتي معه اليسر : "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا • إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 5-6).
كونوا ربانيين، أشخاصاً يسعون لتحقيق الكمال الروحي والأخلاقي، حتى لو لم يوجد إنسان كامل، فمجرد السعي للكمال والإصلاح خطوة إيجابية ومن التعاليم الربانية.. ارتبطوا بالرب من خلال تصرفاتكم التي تعكس قيم الإيمان والأخلاق الحميدة وتنشر الاستقامة والسلام والمحبة داخل المجتمع.