يمر لبنان بأزمة شغور رئاسي منذ عامين، زادتها تعقيدًا التطورات الأخيرة في المنطقة، خاصة بعد اندلاع حرب غزة، والحرب الإسرائيلية على لبنان أيضًا، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تشهد الساحة السياسية اللبنانية تحركات مكثفة للخروج من هذا الجمود، حيث يتقاطع الحراك الداخلي مع تدخلات دولية تدفع نحو إيجاد حل لأزمة الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد يعيد التوازن لمؤسسات الدولة.
وفي ظل التوترات الإقليمية والسياسية التي تحيط بلبنان، يبقى التساؤل حول ما إذا كان بإمكان البلاد استغلال هذه الأزمة لإعادة بناء مؤسساتها وتحقيق استقرار دائم، فالأزمة الحالية قد تكون فرصة لإعادة توحيد الصفوف وبناء مستقبل جديد للبنان يقوم على التوافق الوطني.
حراك سياسي في لبنان
في خطوة غير متوقعة، أبدى نبيه بري، الذي كان يربط سابقًا بين الحوار الرئاسي والحرب، مرونة في مواقفه، مؤكدًا ضرورة التوافق على رئيس يتمتع بمواصفات قادرة على الحفاظ على التوازنات السياسية في لبنان.
وأكد بري في اجتماعاته مع النواب والمسؤولين أن الأولوية القصوى هي انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن.
وتتزايد التوقعات بحدوث "انفراجة" في أزمة الشغور الرئاسي، مع تصاعد الحديث عن توافق بين الأطراف السياسية، بحسب ما أشار إليه نواب حضروا اجتماعات مع بري، كما يعزز هذا التوجه الاجتماعات المستمرة مع القوى السياسية المختلفة، بما في ذلك كتلة الاعتدال الوطني ولقاءاته مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط.
وبدأت التحركات الجادة تجاه انتخاب رئيس تكسر حالة الجمود التي سادت المشهد السياسي في لبنان، تصريحات بري الأخيرة بعد اجتماعه مع ميقاتي، والتي أشار فيها إلى ضرورة التوافق على رئيس توافقي، تُعد خطوة هامة في ظل الأوضاع الحالية، خاصة مع تصاعد التوترات العسكرية في جنوب لبنان.
وتتقدم جهود اللجنة الخماسية، التي تضم مصر، السعودية، قطر، الولايات المتحدة وفرنسا، كأحد أبرز المساعي الدولية لدفع عجلة الحل السياسي في لبنان، وفي اجتماع عُقد مؤخرًا، السبت، بمشاركة مصر، تم بحث سبل الخروج من مرحلة الجمود الرئاسي، اللجنة شددت على ضرورة عدم ربط الاستحقاق الرئاسي بتطورات الجنوب أو المنطقة ككل، رغم أن بعض المراقبين يرون صعوبة فصل الملف اللبناني عن تلك التطورات.
وشهد التنسيق بين السعودية وفرنسا حراكًا متجددًا يحمل احتمالات إطلاق جولة دبلوماسية جديدة في بيروت، وكان المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، قد زار السعودية والتقى بعدد من المسؤولين، من بينهم نزار العلولا، مستشار الديوان الملكي السعودي والمكلف بملف لبنان، لبحث سبل حل الأزمة الرئاسية، خاصة في ظل التوترات القائمة في جنوب لبنان وتداعياتها على الوضع السياسي.
وعلى الصعيد الداخلي، أثارت مبادرة رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، اهتمامًا واسعًا، حيث فتحت باب النقاش حول تغييرات دستورية قابلة للتنفيذ، هذه المبادرة تلقت اهتمامًا من الأوساط السياسية الداخلية والخارجية، في وقت أعرب فيه رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، عن أمله بأن تثمر جهود اللجنة الخماسية في تسريع انتخاب رئيس جديد.
وجاءت معطيات مشجعة من بعض السفراء المشاركين في اللجنة الخماسية، حيث أشاروا إلى عدم ضرورة ربط الانتخابات الرئاسية بالأحداث الجارية في غزة أو جنوب لبنان، وفي خطابه الأخير بمناسبة ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، شدد بري على أن الاستحقاق الرئاسي لا ينبغي أن يكون مرتبطًا بالوضع الأمني في المنطقة.
وتتزامن هذه الجهود مع زيارات منتظرة للمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان والمبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين إلى بيروت، بهدف تحريك ملف الانتخابات الرئاسية وتهدئة الأوضاع في جنوب لبنان، رغم هذه الجهود، يبقى هناك تردد حول إمكانية انتخاب رئيس في 2024، مع استمرار التعقيدات الناجمة عن حرب غزة.
هل تتولد انفراجة من رحم الأزمة؟
من جانبه، أوضح المحلل السياسي الدكتور خالد شنيكات، أن لبنان كدولة صغيرة في المنطقة، يتأثر بشدة بالقوى الإقليمية والدولية، ويتضاعف هذا التأثير بسبب الانقسامات الداخلية في المجتمع اللبناني، والتي تتفاقم بفعل النظام السياسي الطائفي السائد.
وأضاف في تصريحات لـ “صدى البد”، أن الدول الكبرى، مثل إسرائيل، الولايات المتحدة، وإيران، تمتلك أهدافًا متباينة في لبنان، بينما تحاول القوى المحلية إيجاد حلول للمشكلات المعقدة التي يواجهها البلد، ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في أن لبنان يُدار على أساس طائفي وليس كدولة موحدة، حيث تتصرف كل طائفة ككيان مستقل، مما يعوق تحقيق الشراكة الوطنية.
وتطرق شنيكات إلى أهداف إسرائيل في لبنان، موضحًا أنها تسعى إلى نزع سلاح حزب الله وإضعاف أي مقاومة قد تواجهها، سواء من الحزب أو من أي جهة أخرى، كما تهدف إلى تعزيز سيطرة الجيش اللبناني ليكون الجهة الوحيدة التي تتعامل معها إسرائيل، بدلاً من التعامل مع الفصائل المختلفة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتشارك هذا الهدف مع إسرائيل، حيث تعمل على فرض ما تسميه "هيبة الدولة" على جميع الأطراف اللبنانية، مع التركيز على إضعاف حزب الله كجزء من هذا المسعى.
وأوضح شنيكات أن هذا الملف يمثل تحديًا كبيرًا للبنان فاختيار رئيس الجمهورية يعتمد بشكل كبير على موقفه من المقاومة، فإذا كان مؤيدًا لها، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيرفضونه، بينما يسعى حزب الله إلى دعم رئيس يوفر له الغطاء اللازم لاستمرار مقاومته، هذا التعقيد يجعل من الصعب التوصل إلى توافق حول شخصية الرئيس الجديد، ما يعمق أزمة القيادة في لبنان.