لعل ما يطرح السؤال عن هل قراءة آية الله نور السموات والأرض تجلب الخير والبركة وسعة الرزق ؟، هو ارتباطه بإحدى آيات القرآن الكريم وهو كلام الله تعالى ، الذي يمتلئ النفحات والعطايا والبركات، وهو سبيل النجاة والخير في الدنيا والآخرة ، لذا ينبغي العلم بحقيقة هل قراءة آية الله نور السموات والأرض تجلب الخير والبركة وسعة الرزق؟ لعل بها نكن من الفائزين .
هل قراءة آية الله نور السموات والأرض تجلب الخير
ورد عن مسألة هل قراءة آية الله نور السموات والأرض تجلب الخير والبركة وسعة الرزق؟، أنه بلا شك في أن القرآن الكريم كله خير وبركة وهدى ورحمة.. وبخصوص الآية المشار إليها فلم نقف فيما تيسر لنا الاطلاع عليه من المراجع على أنها تجلب البركة والخير وسعة الرزق.
وقد ذكر السيوطي في الإتقان أن كثيراً مما ينقل من خواص القرآن لا مستند له إلا تجارب بعض الصالحين، ثم ذكر ـ رحمه الله ـ جملة من الآثار الواردة في خواص بعض السور والآيات ولم يذكر منها هذه الآية: الله نور السماوات والأرض..
وقد عقب على ذلك بقوله: فهذا ما وقفت عليه في الخواص من الأحاديث التي لم تصل إلى حد الوضع ومن الموقوفات عن الصحابة والتابعين.. وأما ما لم يرد به أثر فقد ذكر الناس من ذلك كثيرا جدا الله أعلم بصحته.
وذكر الزركشي في البرهان: أن هذه الخواص لن ينتفع بها إلا من أخلص لله قلبه ونيته وتدبر الكتاب في عقله وسمعه وعمر به قلبه وأعمل به جوارحه وجعله سميره في ليله ونهاره وتمسك به وتدبره.
المراد بقوله الله نور السماوات والأرض
ورد في المراد بـ: الله نور السماوات والأرض ، قال الله تعالى في كتابه الكريم : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ سورة النور/35.
وقال الشيخ السعدي، رحمه الله: " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ: الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه- نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة. وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا: كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر.
وجاء في قوله تعالى : مَثَلُ نُورِهِ: الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، كَمِشْكَاةٍ أي: كوة فِيهَا مِصْبَاحٌ لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك. الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ من صفائها وبهائها كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ أي: مضيء إضاءة الدر. يُوقَدُ ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون، لا شَرْقِيَّةٍ فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، وَلا غَرْبِيَّةٍ فقط، فلا تصيبها الشمس أول النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتَحْسُن وتَطيب، ويكون أصفى لزيتها، ولهذا قال: يَكَادُ زَيْتُهَا من صفائه يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ؛ فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة نُورٌ عَلَى نُورٍ أي: نور النار، ونور الزيت.
ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه: أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره.
ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكى معه وينمو. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال، ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون." انتهى من"تفسير السعدي"(568).
حديث الله نور السماوات والأرض
ورد عن حديث: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فأقرأوها و اسألوا الله نورها و بركتها
لم نقف على هذا الحديث المشار إليه في السؤال، لا بسند صحيح ولا ضعيف. ولم نقف على ذلك المعنى أيضا في شيء من الآثار السلفية، غير أن الأصل في الأدعية الجواز مالم تشتمل على منهي عنه، فيجوز للمسلم أن يسأل الله تعالى أن يرزقه نور القرآن وبركته. كأن يقول: اللهم نورني بالقرآن، أو ارزقني نوره، واللهم بارك لي فيما أقرأه من القرآن، أو ارزقني بركة القرآن. ونحو هذا.
والمقصود بنور آيات القرآن الهدى والإيمان الذي جاء به، فالقرآن نور كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) الآية 174 من سورة النساء)، وهذا الإيمان سيكون نورا يبصر به المؤمن يوم القيامة.
وقال الله تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الآية 12 من سورة الحديد.
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التحريم/8.
وورد أن البركة، هي الخير الكثير الثابت، فقال الفقهاء ، " والبركة: هي كثرة الخير وثبوته، وهي مأخوذة من البِركة بالكسر، والبِركة: مجمع الماء، ومجمع الماء يتميز عن مجرى الماء بأمرين: (الكثرة، والثبوت ) انتهى من "القول المفيد" (1/194).
وجاء أن القرآن قد وصف بالبركة في عدة آيات، كقول الله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) الآية 92 من سورة الأنعام.
وقال الله تعالى: ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الآية 155 من سورة الأنعام، وقال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الآية 29 من سورة ص.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: " ( كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ) فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجلّ كتاب طرق العالم منذ أنشأه الله.
وجاء في قوله تعالى ( لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
وورد أن قوله تعالى ( وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ) أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 712).