قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

عبد السلام فاروق يكتب: "حرب القيامة" بعد عام من قيام الحرب!

×

بعد الضربة الصاروخية الإيرانية على تل أبيب، كان من المتوقع أن يحدث رد إسرائيلي سريع لكنه أُلغي في اللحظات الأخيرة، ربما لتدخل البنتاجون لمنع توسع الحرب.
غير أن نتنياهو بدلاً من التهدئة لجأ إلى التصريحات المنذرة بتصعيد لا يعلم أحد مداه؛ حينما أعلن أنه بصدد شن حرب أسماها: "حرب القيامة".

فهل كشف نتنياهو عن وجهه الحقيقي أخيراً، وبدأ يتحدث بلغة توراتية تستعيد مفهوم النبوءة، وتريد جمع حلفاء لإسرائيل من هذا المدخل الشائك؟!
لقد مر الآن عام كامل على هجوم السابع من أكتوبر الذي أرق إسرائيل وأرهقها. فهل من مصلحة أحد في المنطقة أن تستمر الحرب هكذا بلا نهاية؟ وهل باستطاعة جهة في إسرائيل أو خارجها كبح جماح نتنياهو؟ وهل ينفذ تهديده فيقيم قيامة حربه الخاصة ضد لبنان وإيران؟ وإذا أشعل تلك الحرب ووسَّعها، فعلى رأس مَن ستقوم القيامة التي يزعمها؟
كأنه الأمس
الأمر كان يسير مع نتنياهو من حسن لأحسن. فها هو قد طوي بايدن في جيبه الأصغر، وها هي خطة التطبيع تسير كما أرادها، وها هي غزة محاصَرة منذ أعوام ولا بواكي لها. وها هو المسجد الأقصى ينتظر الاقتحام الأخير، وها هي العجول الحمراء في انتظار الذبح لتلاوة طقوس توراتية يتم على إثرها هدم الأقصى وبناء الهيكل. ثم فجأة حدث ما لم يتوقعه أحد..
هجوم مفاجئ ثلاثي من البحر والجو والبر، فإذا غلاف غزة مُخترق، وإذا برجال في ثياب عسكرية يقتحمون مركز قيادة المنطقة الجنوبية ويأسرون قائدها وعدداً من جنودها ويقتادونهم، وآخرين في ثياب مدنية يصطحبون عدداً آخر من الإسرائيليين السكاري من حفل حاشد ساهر تحول إلى مأتم. وآخرون في طائرات شراعية مبتكرة يلتفون خلف خطوط العدو. لتبدأ الملحمة.
تصحو إسرائيل من سباتها، والموساد من غفوته فيكتشفان أن مئات الأسري باتوا في يد المقاومة الفلسطينية، وأن أسراراً خطيرة تم كشفها من أقراص صلبة تم الاستيلاء عليها من مواقع عسكرية، وأن آليات باهظة الثمن تم تدميرها وإحراقها على الأرض. كل هذا حدث دون أن يرصد أحد شيئاً أو يتنبأ بشيء! فجُن جنون إسرائيل وقررت إعلان حرب برية ضروس على قطاع غزة تريد محوه محو إبادة.
تبدأ الحرب وتستعد الفرق العسكرية التي بلغ قوامها أكثر من ربع مليون مقاتل للاقتحام من جهة الشمال، وتتسلل فرقة تلو فرقة لتفاجئهم الصواريخ والقنابل تنهال عليهم من كل حدب وصوب، ويتساقط الجنود أو يحترقون داخل آلياتهم، وتتحول دبابات الميركافا الأكثر تطوراً إلى خردة تحت قصف صواريخ الياسين. شهور قليلة ويعدّ العدو خسائره فإذا هي بالمليارات ويعد قتلاه فإذا هم بالألوف. فيقرر عقد هدنة مع المقاومة، ينجح على إثرها فى استرداد القليل من أسراه. وتعود الحرب تدخل في أطوار جديدة. تنفتح فيها الجبهات على مصاريعها؛ فيغلق الحوثي المضيق، ويستولي على السفن، ويطلق حزب الله صواريخه ليضغط على إسرائيل لوقف الحرب، فيفر المستوطنون من الشمال، وتنهال صواريخ العراق على رأس القواعد الأمريكية. وإسرائيل رغم هذا سادرة في غيها وجبروتها؛ تدمر أحياء كاملة على رؤوس مَن فيها من أطفال ونساء وشيوخ كلهم مدنيون. ويهب الشارع الأوروبي والغربي نصرةً لفلسطين، وتستمر المظاهرات الحاشدة لعدة شهور تندد بما ترتكبه إسرائيل من مجازر. وتجمع جنوب إفريقيا ملفات المجازر الإسرائيلية لتذهب بها لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، وبدلاً من أن توقف إسرائيل عدوانها الدموي، تعلن مرحلة ثانية وثالثة للحرب الغشوم.
تسحب إسرائيل ألوية وفرق من الشمال الغزاوي، وتتمركز في الوسط، فلا تلقي من المقاومة الفلسطينية إلا صموداً أشد، ويستمر سقوط مزيد من الضباط والجنود في الجيش الإسرائيلي، ويستمر الدعم الأمريكي غير المحدود. ويدعو الجميع لهدنة جديدة، فيصم نتنياهو آذانه عن الاستماع، ويقرر اقتحام جنوب غزة فيستولي على محور فيلادلفيا ويقتل في طريقه عدداً من أسراه بنيرانه العمياء. كل هذا والولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع كبحه أو منعه، ومحكمة العدل التي أدانته لا تستطيع تفعيل هذه الإدانة، لتسقط هيبتها في عيون العالم.
ويختفي بايدن من المشهد بعد أن مدَّ إسرائيل بأكثر مما تحتاجه، وتظهر كامالا هاريس ومعها ترامب في الصورة، وتختلف الحسابات الأمريكية، ويحاول البيت الأبيض ومعه البنتاجون الضغط على نتنياهو الذي بات بعد خطاب الكونجرس لا يكترث لأحد. بل يعود من أمريكا وقد قام بتفجير الوضع في جنوب لبنان؛ وتحدث واقعة تفجيرات البيجر يتلوها القضاء على حسن نصر الله، ويعلن نتيناهو أنه بصدد اقتحام لبنان برياً.
تصمت إيران وتبتلع كل الضربات القاسية المتتابعة ضربة بعد الأخرى؛ موت إبراهيم رئيسي، ثم قتل إسماعيل هنية، ثم اغتيال نصر الله. وهي صامتة اعتماداً على وعود أمريكية كاذبة بتحجيم الحرب وصد نتنياهو، وعندما يفيض بها الكيل تقرر ضرب تل أبيب بمئات الصواريخ الباليستية، وهنا تنفتح جبهات الحرب من جديد. ويتوقع الجميع رداً رادعاً من إسرائيل فإذا بها تتقهقر قليلاً، ثم ينعقد مجلس الأمن المصغر، ويقرر نتنياهو شن حرب أسماها: "حرب القيامة". فهل يتجاهل كل الضغوط من أمريكا ومن الداخل الإسرائيلي ومن وزرائه ليشن حرباً يعلم الجميع أنها حرب اليمين المتطرف التي يقودها رأس حربة مكون من الثلاثي: نتيناهو وسموتريتش وبن غفير؟!
معادلة جديدة
الواقع أنه بعد سنة من الحرب باتت المنطقة كلها محكومة بقواعد ومعادلات مختلفة عن سنة مضت. فحلم التطبيع الذي تحلم به إسرائيل يبدو الآن بعيداً بعد السماء عن أيدي الأقزام؛ إذ أن الشعوب العربية والغربية باتت تطوي صدورها على كراهية وغضب عظيمين على طغاة الحرب الإسرائيليين الذين لا يكترثون لكل هذه الدماء التي تسيل. وأما الإسرائيليون أنفسهم فهم بين قتيل وجريح ومُهجَّر أو مغادر لإسرائيل على غير رجعة. ولا أمان في أي منطقة داخل إسرائيل حتى في تل أبيب نفسها. وأما الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بلا حساب فقد بات مرهوناً بشروط، وربما توقف هذا الدعم عندما تصبح مصالح حلفاء إسرائيل على المحك.
وأما إيران التي كانت في السابق مأمونة الجانب، فهي الآن كالذئب الجريح. وبعد قتل هاشم صفي الدين أمين حزب الله بعد حسن نصر الله، فقد باتت أوراق اللعب مكشوفة، وباتت الحرب الموسعة مسألة وقت ليس إلا..
لم يعد هناك أي دور للمنظمات الدولية: فلا مجلس الأمن ولا منظمة الأمم المتحدة ولا محكمة العدل الدولية لهم أي دور يُذكر في منع الحرب أو إجبار نتنياهو على الخضوع للنظام الدولي. وإذا كان بوتين يهدد نتيناهو وينذره بعدم توسيع الحرب، فإن هذا معناه أن لاعبين جدد قد ينضمون للميدان، ويصبح الأمن العالمي والإقليمي على المحك.
وأما غزة فما زالت صامدة مقاوِمة، وما زلنا نسمع كل يوم عن سقوط قتلي وتدمير دبابات وآليات في نتساريم وخان يونس ورفح، كأن عاماً لم يمر، وكأن المعدن الفلسطيني قُدَّ من صًلبٍ قاسٍ متين.
إنها معادلة جديدة، يفر فيها مَن يفر، وتخلو المستوطنات من ساكنيها هرباً للخارج أو للداخل، وينفرد اليمين المتطرف بالقرار طارداً كل عقل حكيم يدعو لهدنة، والنار التي تحت رماد الضفة الغربية تكاد تفور فوران البركان، وجبهة إيران تستعد، ومعها كل أذرعها في العراق ولبنان واليمن. والمنطقة كلها تبدو على صفيح ساخن، يكاد نتنياهو يشعلها لو لم يجد أحداً يوقفه. ولا أحد يعلم ما حجم القيامة التي يريد لها نتنياهو أن تقوم، ولا على رأس مَن تسقط. وإن كانت الحكمة تقول: "على نفسها جنت براقش". وعلى الجميع أن يستعد لما هو قادم.