القوانين في جوهرها عبارة عن نسيج يربط بين خيوط الحياة المتشابكة، فتنظم حركتها وتوجه مسارها، بداية من علاقة الإنسان بنفسه إلى أوسع العلاقات الدولية بين الدول، فكما أن السفينة في الماء تحتاج في كل حركة إلى دفة توجهها، فإن كل فعل وسلوك في الحياة يحتاج إلى قانون ليضبطه، فالقوانين هي تلك الدفات التي تحركنا في بحر العدالة والإنصاف، سواء في عالم المادة حيث الأفعال والسلوك، أو في العالم المعنوي حيث الأفكار والآراء، فكلا العالمين لا بد من قوانين لتضبطهم لتلزم الفرد ذاتيًا تجاه نفسه وخارجيًا تجاه الآخرين، لهذا كانت فلسفة القوانين في الحياة كالسور الذي يحمي المدينة من الغزاة والحصن الذي يضمن الاستقرار للمجتمع.
والسؤال هنا، هل القوانين أسوار صلبة حول المجتمع؟، أم أنها إطار مرن ينسجم مع نبض الحياة المتغير؟، نعم، هي هذا الإطار الذي يجعل المشرع في أي زمان ومكان قادرًا على أن يضع النص القانوني الذي ينظم به كل جديد يظهر، وهو أمر لا محال ضروري، وإلا لما تجاوزنا زمن العصر الحجري، وظلت كثير من شؤوننا شاردة لا تجد ما ينظمها، وفي هذه الأيام التي تحولت فيها هواتفنا المحمولة إلى ساحات حرب كلامية، يمكن تسميتها بصراعات "الشرشحة"، والتي تشتعل بسبب كلمات على مواقع التواصل، تشغلنا بها حسابات شخصية، ومؤسسات المفترض أنها معنية ببناء الوعي، الكل يتسابق ليشارك في هذا السخط، صوروا مجتمعنا على أنه مجتمع غوغائي لا يهتم إلا بكل ما هو تافه، من قال أن هذا هو الخبر الذي يريد الناس معرفته، ومن قال أن خلافا بين شخصين سيفيد المجتمع في شيء، وفي الأخير من المسؤول عن واقعنا الافتراضي المشوش، أهو انعكاس للواقع ، أم أنها صورة كاذبة نرسمها عمدًا أو جهلًا عن هذا المجتمع.
على الرغم من أن هناك بعض هذه الخلافات مفتعلة تقف خلفها بعض الشركات التي تدير هذه الحسابات، عمدًا لإثارة حماس المتابعين ليُدمنوا متابعة كل جديد في هذه الصراعات الوهمية، لكن ما يهمنا هو الصورة التي تصدر على مواقع التواصل الاجتماعي عن المجتمع المصري، ففي الوقت الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة والدول عبارة عن أزقة أو حواري في هذه القرية، أصبحنا نستحق لقب "الشرشحة" بسبب خصوصيات فئة خاصة، والتي أصبحت على "وش القفص" المجتمعي، تعطي صورة سلبية عن هذا الشعب، وبات المجتمع يتنفس هواء ملوثًا بأفعال هذه الفئة التي لا يهمها سوى مصالحها الشخصية حتى وإن كانت على دماء قيمنا وعادتنا، فهم كالطفيليات يتغذون على قيمة ووعي المجتمع.
لا شك في حق الشخص باللجوء إلى الجهات القانونية، ضد أي تجاوز يصدر تجاهه عبر السوشيال ميديا، ولكن يبقى السؤال مطروحًا: كيف يمكن لمجتمعنا أن يحافظ على قيمه وعاداته الأصلية في ظل هذا الفيضان من المحتوى المسموم والمشوه؟، ألم ندرك بعد خطورة نشر الخلافات الشخصية فضلا عن المفتعلة منها، على مجتمعنا؟، تحويل هذه الخلافات إلى عرض عام أمام المجتمع يتابعه ليل نهار هو مضيعة لوقت هذا المجتمع وجهد شبابه، انشغال العامة بهذا النوع من الخلافات التي تصل إلى حد "الشرشحة"، هي عبارة عن حقنة هواء في وريد هذا العجوز الذي وهن بسبب تصرفات أبنائه، يجب أن يتدخل القانون لوقف هذه المهازل على السوشيال ميديا كما يعمل على وقفها في الواقع، بدلًا من أن تظل هواتفنا ساحات حرب لهذا النوع من الغوغائية، ليس من حق أي شخص يمتلك حسابًا على مواقع التواصل أن يشعل حربًا تلتهم وقت الناس وتفكيرهم، فالمجتمع له حرمة وحرمته لابد أن يكفلها القانون وأن يلاحق من يلتهمون هدوء واستقرار المجتمع.