في الماضي، كانت مشاهدة التلفاز تقتصر على ثلاث قنوات فقط، حيث كانت كل قناة تقدم مزيجًا من الثقافة العامة والترفيه والموسيقى والفنون.
كان عشاق كرة القدم ينتظرون بفارغ الصبر عرض المباريات، بينما كان محبو الأفلام ينتظرون انتهاء النشرة الإخبارية لمشاهدة فيلم السهرة، الأطفال كانوا يستمتعون بساعة من الرسوم المتحركة قبل أن ينصرفوا للعب أو الجلوس مع العائلة، النساء كن ينتظرن برنامج "عالم المرأة" كل جمعة لتعلم مهارات جديدة في المطبخ أو الحياكة، أما من يبحث عن جرعة إيمانية، فكان ينتظر برنامجه المفضل. كانت هذه القنوات تجمع مختلف الجماهير، كلٌ حسب اهتماماته واحتياجاته.
لكن مع الطفرة الرقمية، تغيرت الأمور بشكل جذري انقسمت الجماهير وتوزعت على قنوات متخصصة تلبي اهتماماتهم المتنوعة أصبحت هناك قنوات مخصصة للرياضة، الكوميديا، الأطفال، الطبخ، الأخبار، والاقتصاد.
هذا التنوع أدى إلى تشتت الجماهير، مما أثر على نسب المشاهدة وإنتاج المسلسلات. أصبح لكل فئة جمهورها الخاص، مما جعل المنافسة أكثر شراسة بين القنوات لجذب انتباه المشاهدين.
هذا التشتت في الجماهير أدى إلى تغييرات كبيرة في صناعة الإعلام. أصبحت القنوات تسعى جاهدة لتقديم محتوى مخصص لجذب جمهور محدد، مما زاد من التنافسية في السوق الإعلامي كما أن هذا التنوع أتاح للمشاهدين حرية أكبر في اختيار ما يناسب اهتماماتهم، ولكنه في الوقت نفسه جعل من الصعب على القنوات تحقيق نسب مشاهدة عالية كما كان الحال في الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، أثر هذا التغير على إنتاج المسلسلات والبرامج، حيث أصبح من الضروري تقديم محتوى مبتكر وجذاب للحفاظ على ولاء المشاهدين. ومع ظهور منصات البث الرقمي، زادت الخيارات المتاحة للمشاهدين، مما أضاف تحديات جديدة للقنوات التقليدية. في النهاية، يمكن القول إن الطفرة الرقمية قد أعادت تشكيل المشهد الإعلامي بشكل جذري، مما يتطلب من القنوات التكيف مع هذه التغيرات لتظل قادرة على المنافسة.
المشكلة الرئيسية التي نتجت عن هذا التشتت هي انخفاض نسب المشاهدة للقنوات التقليدية، مما أثر على عائداتها الإعلانية وقدرتها على إنتاج محتوى جديد. كما أن التنافس الشديد بين القنوات أدى إلى زيادة الضغوط لتقديم محتوى فريد ومبتكر، وهو ما قد يكون مكلفًا ويستغرق وقتًا.
لحل هذه المشكلة، يمكن للقنوات التقليدية تبني استراتيجيات جديدة تتماشى مع التغيرات الرقمية. أولاً، يمكنها الاستثمار في منصات البث الرقمي لتوسيع نطاق وصولها إلى الجماهير المتنوعة. ثانيًا، يمكنها التركيز على إنتاج محتوى عالي الجودة يلبي اهتمامات جمهورها المستهدف، مع الاستفادة من البيانات والتحليلات لفهم تفضيلات المشاهدين بشكل أفضل. وأخيرًا، يمكن للقنوات التعاون مع منصات البث الرقمي والشركات الإعلامية الأخرى لتقديم محتوى مشترك يجذب جمهورًا أوسع.
من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للقنوات التقليدية التكيف مع التغيرات في المشهد الإعلامي والحفاظ على مكانتها في السوق.
إضافة إلى التحديات التي تواجهها القنوات التقليدية، هناك خطر آخر يتمثل في لجوء بعض القنوات إلى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتمتعون بنسب مشاهدة عالية لتقديم برامجهم. هذه الاستراتيجية تهدف إلى جذب جماهير هؤلاء المشاهير بسهولة، لكنها قد تؤدي إلى تراجع جودة المحتوى. التركيز على المحتوى السهل والسطحي يمكن أن يضيع الإبداع والابتكار، مما يؤثر سلبًا على سمعة القناة على المدى الطويل.
لحل هذه المشكلة، يجب على القنوات أن توازن بين الاستفادة من شعبية مشاهير السوشيال ميديا وتقديم محتوى ذي قيمة. يمكن تحقيق ذلك من خلال دمج هؤلاء المشاهير في برامج تتضمن محتوى تعليمي أو ترفيهي مبتكر، مع الحفاظ على معايير الجودة والإبداع. كما يمكن للقنوات تشجيع المواهب الجديدة وتقديم فرص للإبداع والابتكار، مما يساهم في تقديم محتوى متميز يجذب جمهورًا واسعًا ويحافظ على ولاء المشاهدين.
تزايد الاعتماد على المحتوى السطحي والترفيهي فقط يشكل خطرًا حقيقيًا على الأجيال الحديثة، حيث إنهم بحاجة إلى جرعات ثقافية وتعليمية تساهم في تنمية وعيهم وفكرهم. التركيز المفرط على الترفيه والكوميديا يمكن أن يؤدي إلى تراجع في مستوى الثقافة العامة والمعرفة لدى الشباب.
هذا الخطر يتجلى بوضوح في المهازل التي نشاهدها يوميًا على منصات مثل تيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث ينتشر المحتوى الذي يفتقر إلى القيمة التعليمية أو الثقافية.
لمواجهة هذا التحدي، يجب على القنوات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي العمل على تعزيز المحتوى الثقافي والتعليمي. يمكن تحقيق ذلك من خلال دعم المبادرات التي تشجع على إنتاج محتوى هادف ومفيد، وتقديم برامج تعليمية وثقافية تجذب الشباب وتلبي احتياجاتهم الفكرية.
كما يمكن تعزيز الوعي بأهمية التوازن بين الترفيه والتعليم، لضمان تنشئة جيل واعٍ ومثقف
وسأختم مقالي بهذه الجملة الذي قالها مالكولم إكس :"التعليم هو جواز سفر الإنسان إلى المستقبل، فالغد للأشخاص الذين يستعدون له من اليوم”.