يمر أكثر من نصف قرن على حرب غيرت مكانة مصر في العالم و أضافت إلى كتب التاريخ فصلا جديدًا عن العلوم العسكرية والخداع الإستراتيجي وديناميكية حرب الاستنزاف ، والتفاوض بعد النصر والتعامل مع الشأن الداخلي حينذاك .
خمسون عامًا ؛ ويتغير المشهد في الإقليم ولكن يبقى الثابت في وسط كل المعادلات المتغيرة ، هو قدرة مصر علي أن يكون لديها آلية خاصة بها وأجندة وطنية تتعامل بها مع الأزمات والتحديات باختلاف الأزمان والأنظمة.
من دولة ليس بها عتاد كافٍ تحاول استرجاع سيناء الغالية في 73 من يد مغتصب غاشم وتحاول تسليح الجيش وشراء الأسلحة بصعوبة ، و تحاول تضمين الأشقاء العرب في معادلة استرداد بقعة غالية من أرض الوطن إلي دولة قوية وجيش قوي مسُلح بأحدث الأسلحة ، من دبابات وطائرات وغواصات وتصنيع محلى لبعض من الفرقطات والأسلحة والذخيرة ، بل وتفتتح أكبر مقر للأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية حيث يوجد الاوكتاجون وزارة الدفاع المصرية ذات الثماني أذرع.
ذلك المقر الجديد الذي يمنح الفرصة لتطوير وتميّز أكبر لأبناء الكلية الحربية ، ليس من داخل مصر فقط ولكن أيضًا يفتح المجال لكل الأشقاء العرب والأفارقة لدراسة العلوم العسكرية في مصر ، في افتتاح مهيب ، حيث أدركت مصر أنه أصبح لهذا الإقليم مقدرات جديدة وتحديات جديدة ، تحتاج إلي مزيد من الجاهزية العقلية والقتالية والعسكرية للمحافظة على استقرار الأمن القومي المصري والمكتسبات التي حققتها في العقد الأخير، كما يتوجب عليها بحسب الالتزام التاريخي والعربي ؛ الاستمرار في المساعي الدبلوماسية لتهدئة الأوضاع في هذا الإقليم الصاخب بالنيران.
في أكتوبر 73 كانت مصر تحتاج العرب وتحتاج مساعدتهم في رد العدوان الغاشم ، ولكنها اليوم هي صمام الأمان للعالم العربي وللشرق الأوسط وليست المرة الأولي التي يدعو فيها الرئيس السيسي رئيس دولة الأمارات لحضور مثل تلك الافتتاحات ، ففي افتتاح قاعدة 3 يوليو البحرية كان هناك تواجد من قادة العرب، وذلك لتضمينهم في المعادلة العربية والتكامل العربي والفخر بالجيش المصري.
في أكتوبر 73 كان الداخل المصري متضامنًا مع الدولة المصرية ، وبادروا جميعًا بالتبرع بالدم والمال والذهب لمساعدة الدولة في وقت الحرب ، لا شك في وطنية المواطن المصري ولكن اليوم يقع التحدي الأكبر في الحفاظ على جسر الثقة بين الدولة والمواطن في ظل كل حروب التشكيك والشائعات وفى فهم التحديات الجسام التي تحيق بالوطن والقطر المصري .
في أكتوبر 73 كان التحدي الوحيد هو التخلص من المعتدي الصهيوني وتحرير سيناء ، ولكن في أكتوبر 2024 تكثر التحديات وتتصدرها تنمية سيناء وتطهيرها والحفاظ عليها من أي محاولة تهجير قسري إليها ، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والمجتمعية .
تمر الأزمنة والعقود وتبقى مصر صامدة برؤيتها وآلياتها الناجحة المتغيرة دومًا.