لعل ما يطرح السؤال عن هل الجيش المصري مذكور في القرآن ؟ هو مناسبة ذكرى نصر أكتوبر 73 ، التي تكثر فيها التهاني بمرور 51 عام على النصر المجيد الذي حققه الجيش المصري بفضل الله تعالى، ومن ثم ينبغي معرفة هل الجيش المصري مذكور في القرآن ؟.
هل الجيش المصري مذكور في القرآن
بالرجوع إلى كتب حسن المحاضرة للإمام السيوطي، أكد أن مصر ذكرت في القرآن الكريم أكثر من 30 مرة مباشرة، ونحو 70 مرة بشكل غير مباشر، وهذا دليل على علو مكانة هذا البلد، ويشعر أي شخص فيها بالفخر، حيث أن البلد يظل ثابتا، رغم التحديات التي حدثت في الماضي والحاضر، رغم اختفاء دول بالكامل، بسبب أحداث كثيرة.
وقد شرَّف اللهُ -عز وجل- مصر، وكرَّمها، وجعلها كنانته في أرضه، ووهبها مكانة سامقة إلى يوم الدين، فهي أم البلاد، وغوث العباد، وعلى الرغم من أن مصر تعرضت عبر تاريخها المديد لحروب وضغوط واستعمار ومحاولات استلاب من أعدائها ومن الطامعين فيها والمتربصين بها، فإنها لا تزال تعيش وتقاوم وستظل.
وورد أنها تتقلص حينًا، لكنها ما تلبث أن تنتفض عزة وكرامة وحضارة، تتآمر بعض الأنظمة عليها بعد أن أدبرت عنها، لكنها أيضا تفاجئ الدنيا ببنيها يصححون الأخطاء ويرتفعون بها. عجيبة هي مصر!! في ضعفها وقوتها وهبوطها وارتفاعها، والتفاف الناس حولها وانصرافهم عنها، وعجيبة في صلابة أهلها، وقوة نسيجها، ومتانة مكوناتها الثقافية والدينية والحضارية.. عجيبة تلك التي علَّمت الدنيا الحضارة وأضاءت مشاعل النور، ونشرت العلوم والآداب والفنون في كل مكان.. نعم.. إنها مصر التي استبقاها الخالق العظيم وسط العواصف شامخةً.. إنها مصر الكنانة التي اختصها الله تعالى بخصائص فريدة لم تكن لغيرها.
ذكر مصر في القرآن
وورد أن المتأمل في مظاهر تكريم الله تعالى لها يرى أن مصر هي البلد الوحيد الذي ذُكر في القرآن الكريم أربع مرات صراحة؛ إذ قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (يونس: ٨٧).
وقال: "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف: ٢١).
وقال سبحانه: "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" (يوسف: ٩٩).
وقال: "وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" (الزخرف: ٥١).
أما في قوله تعالى: "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" (البقرة: ٦١). فإن كلمة "مِصْرًا" جاءت بالتنوين، وهي قراءة الجمهور.
و قال ابن جرير: ".. ولا أستجيز القراءة بغير ذلك لإجماع المصاحف على ذلك". وقال ابن عباس: "(اهْبِطُوا مِصْرًا) أي من الأمصار". وبناء عليه لا تدل على مصر الكنانة، وإنما تعني أي مدينة متحضرة في أي مكان، حيث جاءت مفعولا به منصوبا وهي منونة (مِصْرًا) وهو موضع واحد فقط. يقول ابن كثير: "والحق أن المراد: مصر من الأمصار، وليس مصر فرعون كما رُوي عن ابن عباس وغيره، والمعنى على ذلك؛ لأن موسى (عليه السلام) يقول لهم: الذي سألتموه ليس بأمر عزيز؛ بل هو كثير في أي بلد دخلتموه وجدتموه" كما جاء في تفسير ابن كثير.
وفي المواضع الأربعة الأخرى جاءت كلمة (مِصْرَ) ممنوعة من الصرف (أي غير منونة)؛ لتدل على (مِصْرَ) الكنانة، أي: الوطن الذي يعيش فيه المصريون. وهذه تفرقة لغوية دقيقة بين (مِصْرَ)، و(مِصْرًا).. ويسجل القرآن الكريم اعتراف اللغة العربية بعراقة مصر وحضارتها التي تضرب بجذورها طولا وعرضًا وعمقًا في أعماق التاريخ. والناظر في حال الأمم والدول التي ورد ذكرها في كتاب الله الخالد، يلحظ أن التاريخ طواها في وثائقه وجسَّد آثارها في متاحفه، وبقيت مصر معززة مُكرمة مُشرَّفة في كتاب الله الخالد.
- أن مصر ذُكرت بالتلميح كما ذُكرت بالتصريح في القرآن الكريم، في أكثر من ثلاثين مرة، وهو أمر لم يكن لأي دولة في القرآن الكريم، وآيات التلميح لها مواطن كثيرة متفرقة، ومن ذلك قوله تعالى: "وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ" (الطور: ١ــ ٢).
وقوله: "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" (المؤمنون: ٢٠).
وقوله: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ" (التين: 1ــ ٢). وغيرها من الآيات.
- أن أغلب الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر مصر- تصريحًا أو تلميحا- تشع بالخير والبركة لهذا البلد الأمين، ومن بركاتها نهر النيل الذي نشأت على ضفافه حضارة شامخة، لا يزال إلى الآن لها طلع نضيد يحير الألباب.
- أن خليل الرحمن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عاش على أرضها وتزوج السيدة هاجر منها.
ونشأ فيها نبي الله إدريس -عليه السلام-، وبعث ومات داعيًا إلى التوحيد.
ودخلها نبي الله يعقوب -عليه السلام- وأولاده، وسبقهم إليها نبي الله يوسف -عليه السلام- الذي أمضى حياته كلها فيها، فكانت له مقامًا طيبًا، وأتى بقومه جميعا من أرض فلسطين للإقامة في مصر، قال تعالى: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" (يوسف: 99).
وجعلها الله سلة غذاء العالم وخزائن الأرض، وجاء إليها الناس من كل فج عميق؛ ليأخذوا نصيبهم من الغذاء، بفضل مشورة سيدنا يوسف الذي أنقذ مصر والعالم من المجاعة حينما ادخر القمح وخزَّنه في سنابله "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ" (يوسف: 47).
وعلى أرضها وُلد كليم الله سيدنا موسى وهارون -عليهما السلام-، وقد تجلى الله سبحانه فيها على موسى -عليه السلام-، وجعل محبته في قلوب الناس، قال تعالى: "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي" (طه:39)، وكلَّمه الله وهو في أرض مصر بطور سيناء. يؤيد ذلك علماء الجيولوجيا إذ يقولون: إن الجبال الموجودة حول الطور كلها متصدعة من خشية الله دون غيرها من جبال سيناء.
وشُرِّفت مصر بأن أوت سيدنا عيسى -عليه السلام- وأمه السيدة مريم ابنة عمران، وانتقلا منها معززين إلى القدس الشريف.وشاء الله تعالى أن تكون مكة البلد الحرام، ومصر بلاد الأمن والأمان، قال تعالى: "لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا" (الفتح:27).
آيات قراآنية عن الجيش المصري
وقال: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" (يوسف: ٩٩). وكلمة (آمِنِينَ) - لم تأت في القرآن إلا في هذين الموضعين، ومن ثمَّ فقد خصَّ اللهُ مصرَ بما خصَّ به البلد الحرام من الأمن والأمان.
- أن مصر ذُكرت على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أحاديث متعددة، حيث أوصى بالإحسان إلى أهلها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون مصرَ، وهي أرضٌ يُسمى فيها القيراطُ. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلِها. فإن لهم ذمةً ورحمًا. أو قال: ذمةً وصهرًا) (أخرجه مسلم)، فالرحم هي أمنا هاجر أم أبينا إسماعيل عليه السلام، أما الصهر فهي السيدة (مارية القبطية) التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنجبت له ابنه إبراهيم.
- أن جند مصر هم خير أجناد الأرض؛ فهم في رباط وحراسة للوطن والإسلام والعروبة إلى يوم القيامة.
- أن مصر على الرغم من قوتها عبر التاريخ الإسلامي فإنها لم تكن معتدية أو غازية أبدا؛ بل كانت حامية للدين، وسندًا للعرب والمسلمين في كل مكان، يقول الإمام ابن كثير في تاريخه: ..في عام الرمادة - والجوع والفقر يحاصران الأمة الإسلامية- كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لعمرو بن العاص حاكم مصر -رضي الله عنهما: "واغوثاه.. واغوثاه.. واغوثاه"، فقال عمرو بن العاص: "..والله لأرسلن قافلة من الأرزاق أولها في المدينة، وآخرها عندي في مصر". كما شرَّفها الله بأن أرسلت كسوة الكعبة المشرفة على المحمل العظيم لألف عام.
- ومن مظاهر تكريم الله لمصر أنها استضافت كثيرًا من الصحابة الكرام، فقد دخلها في فتحها مئة رجل ونيف ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تشرفت بعيش عدد كبير من التابعين، وتابعي التابعين، وأولياء الله الصالحين فيها، ونشأ على أرضها الزهاد والعباد والعلماء والفقهاء والمصلحون، ووارى رفاتَهم الميمون ثراها الطاهرُ ليشرف بهم إلى يوم الدين.
وقد حباها الله نهر النيل المبارك، الذي يعد مكرمة من الله لمصر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (سيحان وجيحان والفرات والنّيل كلٌّ من أنهار الجنّة) (رواه مسلم). قال الإمام النووي -رحمه الله-: "وأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان ذكرهما القاضي عياض: أحدهما: أن الإيمان عمَّ بلادَها، أو الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة. والثاني: وهو الأصح أنها على ظاهرها، وأن لها –أي الأنهار- مادة من الجنة" (شرح النووي)، وهكذا "كانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره، ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع، ولقد كانت المرأة تضع المِكتل على رأسها، فيمتلئ مما يسقط به من الشجر" كما قال د. محمد موسى الشريف في بحثه (فضائل مصر ومزايا أهلها). وهذا النيل هو سر حضارتها ورقيها وهو النهر الوحيد في العالم الذي ذكر وصفه في القرآن على لسان فرعون، قال تعالى: "وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" (الزخرف: 51). وقد حافظ عليه القدماء وقدَّسوه واعتبروا تلويثه جريمة وجناية.
مصر في القرآن
ذكرت مصر في القرآن الكريم في ثمانية و عشرين موضعا ، خمسة منها بصريح اللفظ وتسعة عشر ما دلت عليه القرائن والتفاسير
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61البقرة)
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف 21).
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (يوسف 99 )
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (يونس 87)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( الزخرف 51)
و منها ما جاء بشكل غير مباشر في قوله تعالى : قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ( يوسف55 ) ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ( القصص6) و الأرض في الآية هي مصر و قد ذكرت فى عشر مواضع باسم الأرض فى القرآن كما ذكر عبدالله بن عباس .
وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (القصص20) ، أما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فى ذكر مصر ، وقوله صلى الله عليه و سلم (ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لكم منهم ذمه و رحما ) رواه مسلم. و قوله صلى الله عليه و سلم (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير اجناد الأرض ، قال أبو بكر لم يا رسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة ).
دعاء الأنبياء لمصر
قال عبدالله بن عمرو: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها و غربها و سهلها و جبلها و أنهارها و بحارها و بنائها و خرابها و من يسكنها من الأمم و من يملكها من الملوك ،فلما رأى مصر رآها أرض سهلة ذات نهر جار مادته من الجنة تنحدر فيه البركة و تمزجه الرحمة ، و رأى جبلا من جبالها مكسوا نورا لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة ن في سفحه أشجار مثمرة فروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة ، فدعا يدم في النيل بالبركة ، و دعا في أرض مصر بالرحمة و البر و التقوى ، و بارك على نيلها و جبلها سبع مرات .
و قال : يأيها الجبل المرحوم ، سفحك جنه و تربتك مسك ، يدفن فيها غراس الجنة ،ارض حافظة مطيعة رحيمة ، لا خلتك يا مصر بركة ، و لازال بك حفظ ، ولا زال منك ملك و عز . ( أورده السيوطي جزء 1 ص 20 نقلا عن بن زولاق )
أما دعاء نوح عليه السلام لها فقال عبدالله بن عباس " دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام أبو مصر فقال اللهم إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه و في ذريته و أسكنه الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد و غوث العباد "
ذكر من ولد بمصر من الأنبياء و من كان بها منهم عليهم السلام
كان بمصر إبراهيم الخليل ، و إسماعيل ،و إدريس ، و يعقوب ، و يوسف ، و اثنا عشر سبطا . وولد بها موسى ، وهارون ، و يوشع بن نون ،و دانيال ، و أرميا و لقمان
و كان بها من الصديقين و الصديقات مؤمن آل فرعون الذى ذكر في القرآن في مواضع كثيره و قال على بن أبى طالب كرم الله وجهه اسمه حزقيل ، و كان بها الخضر ،
آسيه امرأة فرعون و أم إسحاق و مريم ابنه عمران ، و ماشطه بنت فرعون .
من مصر تزوج إبراهيم الخليل هاجر أم إسماعيل و تزوج يوسف من زليخا ، و منها أهدى المقوقس الرسول عليه الصلاة و السلام ماريا القبطية فتزوجها و أنجبت له إبراهيم .
و يذكر أنه لما أجتمع الحسين بن على مع معاوية قال له الحسين : إن اهل حفن بصعيد مصر و هي قرية مارية أم إبراهيم فاسقط عنها الخراج إكراما لرسول الله ، فأسقطه .
أما عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقد كتب إلى عمرو بن العاص قائلا : أما بعد فإني قد فكرت في بلدك و هي أرض واسعه عريضة رفيعة ، قد أعطى الله أهلها عددا و جلدا و قوة في البر و البحر ، قد عالجتها الفراعنة و عملوا فيها عملا محكما ، مع شدة عتوهم فعجبت من ذلك ، وأحب أن تكتب لي بصفة ارضك كأنى انظر إليها ، و السلام .
فكتب إليه عمرو بن العاص ك قد فهمت كلامك و ما فكرت فيه من صفه مصر ، مع أن كتابي سيكشف عنك عمى الخبر ، و يرمى على بابك منها بنافذ النظر ، وإن مصر تربه سوداء و شجرة خضراء ،بين جبل أغبر و رمل أعفر ، قد أكتنفها معدن رفقها (أى عملها ) و محط رزقها ، ما بين أسوان إلى منشأ البحر ، ف سح النهر(تدفقه) مسرة الراكب شهرا ، كأن ما بين جبلها و رملها بطن أقب (دقيق الخصر)و ظهر أجب ، يخط فيه مبارك الغدوات ،ميمون البركات نيسيل بالذهب ، و يجرى على الزيادة و النقصان كمجاري الشمس و القمر ، له أيام تسيل له عيون الأرض و ينابيعها مأمورة إليه بذلك ن حتى إذا ربا و طما و اصلخم لججه (أي اشتد) و اغلولب عبابه كانت القرى بما أحاط بها كالربا ، لا يتوصل من بعضها إلى بعض إلا في السفائن و المراكب ، و لا يلبث غلا قليلا حتى يلم كأول ما بدا من جريه و أول ما طما في درته حتى تستبين فنونها و متونها .
ثم انتشرت فيه أمه محقورة ( يقصد أهل البلاد الذين استذلهم الرومان ) ، قد رزقوا على ارضهم جلدا و قوة ،لغيرهم ما يسعون من كدهم (أي للرومان ) بلا حد ينال ذلك منهم ، فيسقون سها الأرض و خرابها و رواسيها ،ثم ألقوا فيهمن صنوف الحب ما يرجون التمام من الرب ، فلم يلبث إلا قليلا حتى أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر و مزعفر يسقيه من تحته الثرى و من فوقه الندى ،و سحاب منهم بالأرائك مستدر ، ثم فى هذا الزمان من زمنها يغنى ذبابها ( أي محصولها ) و يدر حلابها ( اللبن ) و يبدأ فى صرامها ( جنى الثمر ) ، فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة بيضاء ، ثم غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء ، ثم فضه بيضاء ن فتبارك الله الفعال لما يشاء ، و إن خير ما اعتمدت عليه فى ذلك يا أمير المؤمنين ، الشكر لله عز و جل على ما أنعم به عليك منها ، فأدام الله لك النعمة و الكرامة فى جميع أمورك كلها و السلام .
و قد ذكر الكثيرون من المسلمين الأوائل و غبرهم من فضائل و صفات مصر و أهلها الكثير و الكثير ، و ما يناله حاكمها من البركة و الرزق و الخير .
يا أرض مصر فيك من الخبايا و الكنوز ، و لك البر و الثروة ، سال نهرك عسلا ، كثر الله زرعك ، و در ضرعك ، و زكى نباتك ، و عظمت بركتك و خصبت ، و لا زال فيك يا مصر خيرا ما لم تتجبري و تتكبري ، أو تخوني ، فإذا فعلت لك عراك شر ، ثم يعود خيرك.
و في التوراة ( مصر خزائن الأرض كلها ، فمن أرادها بسوء قصمه الله )