نظمت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين،حوارا مفتوحا مع الكاتب طارق إمام، أداره الشاعر عمرو الشيخ، ضمن فعاليات معرض دمنهور السابع للكتاب، المنعقد حاليا تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، بمكتبة مصر العامة بدمنهور، ضمن المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان المصري».
في البداية رحب الشاعر عمرو الشيخ، بالكاتب طارق إمام، قائلا: « نلتقي مع كاتب: "حكايات رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها"، و"ضريح أبي"، و"طعم النوم"، و"الأرملة تكتب الخطابات سرًا"، "ماكيت القاهرة"... وغيرهم».
وأضاف: «نبدأ الحوار مع طارق حول نظرته للمتلقي، وطريقته في كتابة الإهداءات حيث أن كل إهداء منها يُعد لوحة فنية بخطوطه وألوانه».
وتحدث إمام قائلًا: «أولًا أنا سعيد جدًا؛ لأنني موجود في دمنهور مسقط رأسي، في بلدي وسط أهلي وأخواتي، وشكرًا لمعرض دمنهور للكتاب، والهيئة المصرية العامة للكتاب؛ لأنهم أكدوا وجودي، كما أشكر الشاعر عمرو الشيخ، صديق عمري الذي قَبِل أن يدير هذا الحوار».
وأضاف إمام: «بالنسبة لسؤال عمرو، الموضوع له أكثر من شق، أنا أحب الألوان، وأحب الخط العربي والتشكيل به، وفي البيت كانوا يقولون إن طارق هيطلع رسام، محبتي للحروف هو ما جعل توقيع إهداءاتي بهذه الطريقة، وأيضًا رؤيتي للقارئ.. كنت أشتري كتبًا من إحدى مكتبات القاهرة، وجدت شابين يتشاركان لشراء كتاب لي، تأثرت جدًا بهذا الموقف وشعرت بمزيد من المسئولية تجاه القارئ».
وتابع: «أثناء حفلات التوقيع، بعض الكُتاب يكتب اسمه فقط، أقول له أنت لست "كريستيانو رونالدو"، لأن القارئ هو الذي يصنع الكاتب، وأنا أتعامل مع القارئ بوصفه العنصر الأرقى في صناعة الكتاب وترويجه، أتعامل مع شخصه كصاحب رأي وسؤال؛ لذلك آخذ وقتًا في كتابة الإهداء في حفلات التوقيع، حتى يتسنى للقارئ التواصل معي وطرح ما يشغله».
وطرح عمرو الشيخ سؤالًا عن كيفية أن يحافظ الكاتب على القيمة.. وفي الوقت نفسه يصبح كاتبًا جماهيريًا؟، لافتا إلى أن طارق استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، وتمكن من الجمع بين القيمة والجمهور. وتمكن من القفز بالسرد ضمن مشروعه الذي ظهر بوضوح في رواية «ماكيت القاهرة».
وأوضح طارق إمام أن «رواية ماكيت القاهرة، طبعت 14 طبعة، باستثناء الطبعات العربية، مؤكدًا أن أول طبعة كانت خارج القاهرة، وكنت خائفًا من ذلك، وعندما ذهبت إلى معرض القاهرة لأحصل على نسخي من الناشر بناء على اتفاقنا أن أحصل على نسخ الهدايا بالمعرض، فوجئت أن النسخ نفدت، وهذه الرواية غيرت نظرتي للقارئ؛ لأن بعض القراء من الفئة العمرية (14- 17) سنة، وأنا لا أملك إجابة لذلك.. والنقطة الأصعب: أن هناك أدبًا يرضي ذائقة النخبة يقرأوه الكاتب وأصدقاؤهم فقط، وأدب ثان جماهيري يقرأ بالملايين، متسائلًا: لماذا النص الرفيع فنيًا يخاصمه القراء؟، وهذه الرواية محاولة لتحقيق المعادلة، إضافة لذلك القارئ أصبح موجودًا الآن وبقوة بعكس السبعينيات، الآن القارئ يجلس مع الكاتب.. يُقيمُ مع الكاتب.. القارئ بقى يخوف».
وتابع: «نقطة أخرى مهمة أن الكاتب يرى أعماله المنشورة من سنين، تولد من جديد مرة أخرى، لقد نشرت "هدوء القتلة" 2007، وفي طبعتها الجديدة أثارت إحساس لدى أنها عمل جديد، وفوجئت بأن مجموعتي "طيور جديدة.. لم يفسدها الهواء" في طبعتها الجديدة نفدت بعد نفاد "ماكيت القاهرة" على الفور.. هذا ما حدث.. وهذا يغير أي شخص؛ ولكني تربيت في بيت ضيوفه نجوم الفن والثقافة.. وشعوري بالمفاجآت لا يوثر في؛ لأن كاتبًا يمكن أن يستيقظ من نومه، يجد نفسه حاصلًا على نوبل، عمري ما كنت أفكر في النجومية أو الجوائز، كنت دائمًا أفكر في التجريب والمشروع الكتابي، المهم الكتابة ومن الممكن أن تكتب نصًا يُقرأ بعد عشرين عامًا».
وقرأ طارق إمام من كتابه «أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها» مجموعة نصوص، منها: «أول رجل على سطح القمر، وموت الأب: لنحيا معًا، من هنا لهنا، الصفعة، التوقيع، وموتي»، مؤكدًا أنه بعد كتابة أي عمل في مشروعه الروائي، يحتاج إلى الخروج منه إلى التجريب في شكل آخر، لذلك جاءت «أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها» بنصوصها القصيرة جدًا في هذا الإطار، مثلما جاءت نصوص «مدينة الحوائط النهائية» بعد نشر رواياته الأربع في دار الشروق.
ثم قدم الناقد ناصر اللقاني سؤاله قائلًا: سعيد جدًا بلقائي مع طارق إمام في مدينة دمنهور.. المدينة هي إحدى المعضلات في أعمال طارق، المدينة موجودة دائمًا في أعماله: «حكايات رجل عجوز..»، «مدينة الحوائط»، «ماكيت القاهرة»، المدن حيرت طارق وطارق حير المدن، المدن عند طارق أفكار وأخيلة وتراث عميق في الحكي.. أحدث أعماله الأقاصيص، كل أقصوصة تترك داخلنا رواية كاملة، بالإضافة إلى نص «هايكو المدينة» بداية الجزء الثاني من الأقاصيص، وأنا في انتظار العمل الجديد.
ورد طارق قائلًأ: «أنا سعيد جدًا بحضورك أستاذ ناصر.. "هايكو المدينة" يدخلنا فورًا إلى الشعر، والأفق الشعري أو الأثر الشعري، فالشعر ليس نوعًا أدبيًا فقط، بل هو طريقة لرؤية العالم، فكل فن يبحث عن قصيدته الخاصة، أي البحث عن ظل المعنى أو مساحة التأويل.. فالبحث عن الشعر هو البحث عن الفن».
وأضاف طارق إن المدينة خلية وجودية مكتملة، فيها تعقيد العالم.. إن الأساس في المدينة هو التناقض والتنافر، ونحن تربينا على الانسجام في الريف، ورواية «ماكيت القاهرة» تحاكي قلق المدينة، هذا القلق هو جزء من السرد.. لا تخشى المدينة أبدا فثق في قدراتك، فالقاهرة مثلًا مليئة بالتناقضات على الرغم من أن القاهرة مدينة نجيب محفوظ وأم كلثوم..
وأوضح طارق ان لديه مشروع رواية جديدة، سيكون مختلفًا عن «ماكيت القاهرة»، يريد أن يذهب إلى أرض مجهولة؛ ليكتشف هذه الأرض، بعيدًا عن الرواية التاريخية، التي أصبحت في الحقيقة تريند سخيف، ومجرد ديكور، وعلى الكاتب أن يرى عصره في إنتاجه.