نمتلك وطنًا له حدود جغرافية، يحوي بداخله شعبًا له ما يخصه من أعراف وثقافة وحضارة وتاريخ وقيم ومعتقدات وأخلاقيات يؤمن بها ويحافظ عليها ويتعامل على أثرها مع القاصي والداني؛ لذا نجد لهذا الشعب نسيجًا متماسكًا ومنعة لا يستطيع أن يخترقها كائن من كان، مهما تعددت الأسباب وتباينت التحديات وازدادت وتيرة الأزمات، وهنا تتجلي صورة خاصة لماهية المواطنة.
ويتمخض عن وصف المواطنة تشكيل الهُوِيَّة لدى الإنسان المصري؛ حيث نرصد ارتباطه بموطنه الذي ولد فيه، وانتماؤه للكيان الذي ترعرع بين جدرانه، كما أن تمسكه بثوابته أضحت سمة مميزة في سلوكياته وتعاملاته اليومية؛ فنجد له نمط متفرد من اللغة ومعتقد يفخر به ويتمسك بالقيم النبيلة التي تنسدل منه، ويحاول تقييم وضبط سلوكه في ضوء ما يؤمن به من نسق قيمي، ونرى له ملامح تعبر عن شخصيته؛ حيث يحافظ على تراثه، ويعتز بثقافة موطنه، ويتفاخر بحضاراته، ويصدع بما يجول بخاطره من طموحات وآمال يتشاركها مع بني وطنه نحو مستقبل مشرق.
وفي هذا الإطار نود التأكيد على أن بناء الإنسان في ضوء ماهية المواطنة لا ينفصل عن الهُوِيَّة والتي تُعد سمة مميزة يشعر المواطن المصري من خلالها بالتفرد والتميز، ومن ثم تسهم في تحقيق استقلاليته، وتُعد أحد معايير المفاضلة لديه في الاختيار؛ فبواسطتها يستمد خبرات مجتمعه، من معارف ومهارات ومعتقدات وقيم وفنون واكتشافات وابتكارات وسلوكيات صحيحة.
وإذا ما تذكرت عقولنا الحكمة التي خلق من أجلها ندرك أنها تقوم على فلسفة الإعمار في الأرض؛ فتلك الأرض القحطاء وما تحويه من خيرات في باطنها تحتاج حتمًا لمن يتولى الخلافة فيها؛ ليخرج منها ما ينتفع به كل دابة على الأرض وكل طائر يجول في كبد السماء، وهذا يؤكد في قناعتنا ماهية المواطنة التي تحض على التعايش السلمي والمحبة والتعاون والحفاظ على ما وهبنا الله من مقدرات طبيعية يصعب حصرها.
وهذا يوجب علينا أن نقيم بناء الإنسان على مفاهيم أضحت مهمة في ضوء ما يموج به العالم من صراعات ونزاعات لامتناهية؛ حيث ينبغي أن يدرك الفرد حقيقة التسامح والتفاهم واحترام الخصوصيات والعقائد، وأن يعي طبيعة السنن الكونية التي اقتضت التباين بين بني البشر، ومن ثم يهتم الإنسان بما يحدث في العالم من مجريات، وألا ينفصل عن قضايا وواقع أمته العربية والإسلامية، فما يصيب جزء من العالم ينتقل أثره إلى أجزاء أخرى.
وتعالوا بنا نلقي الضوء على أهمية تعزيز الهُوِيَّة المصرية في نفوس أبنائنا، والتي تبدأ بتنمية وعيهم بالنسق المحدد لخصوصية المجتمع سواءً في الفكر أم الممارسة، وهذه الخصوصية تنتزع من مجموعة القيم والخبرات التاريخية؛ وتعد مرجعية يستطيع من خلالها أن يتمكن من صنع إرادته وشخصيته المعبرة عن ذاته، ويهتم بصقل شخصيته بتمسكه بالصفات الجوهرية المستمدة من تراثه الحضاري، ومن ثم يرسم ملامح مستقبله.
وعلينا ألا نتناسى عند بناء الإنسان تعريفه بماهية الدستور المجتمعي الأخلاقي لبني البشر، والذي يحض على التعاون والتعاضد، باعتبار أن الإنسانية كلٌ لا يتجزأ ولا يؤثر عليها متغيرات كنوع، أو عرق، أو عقيدة؛ فنؤكد بصورة مقصودة على أن الحقوق والواجبات يتساوى فيها الجميع بمختلف أطيافهم وألوانهم وأفكارهم ومعتقداتهم، ومن ثم ينبغي أن يتفاعل الإنسان مع أي شخص مهما اختلفت ثقافته وموطنه، مع الأخذ في الحسبان ضرورة إكسابه السمات العامة لمجتمعه، مما يخلق لديه شخصيته القومية.
ورغم أهمية ما تنادي به الطبيعة الإنسانية العالمية من صور المشاركة المدنية والفعالية السياسية، والتعاطف الثقافي، واحترام التنوع، والقدرة على التوفيق بين الصراعات من خلال آليات سلمية، والتضافر من أجل التغلب على التحديات المتجددة في العالم؛ إلا أن المسئولية تستدعي أن نحرص على بناء إنسان مصري لديه قومية يفتخر بها؛ وتمثل البصمة التي تتفرد بها حضارتنا المصرية على مر التاريخ عن حضارات العالم أجمع.
والقومية المصرية تجعلنا جميعًا دون استثناء نتدافع نحو الحفاظ على أرثنا الثقافي والحضاري والاعتزاز به، ونضحي من أجل الأرض والعرض، ونُعلى من المصالح العليا للدولة فوق الرؤوس، ونحترم المعتقد، ولا نقبل تهديدًا لمؤسسات الدولة بكل أنواعها، ونقدر رموز الوطن، ونصطف خلفه في المحن والشدائد؛ فتلك والله الإيجابية التي تُشكل الولاء والانتماء والمواطنة الصالحة في النفوس.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.