تُطالعنا في هذه الأيام، وتهل علينا ذكرى نصر أكتوبر العظيم، هذا الحدث الكبير الذي اهتزت له الدنيا بأسرها، والذي سجل بطولات العسكرية المصرية وقدرتها الفائقة على الدفاع عن وحدة وسلامة أراضيها، وأن مصر جيشًا وشعبًا قادرة على تحقيق المعجزات وصنع المستحيل.
إن السادس من أكتوبر ملحمة تاريخية ومعركة كبيرة باتت تُدرَّس في جميع مدارس العالم العسكرية، لكونها كانت تكتيكًا جديدًا شلّ يد العدو وضرب غطرسته في مقتل، فقضى على الأسطورة الخارقة وحطّم خط بارليف، وهزم الجيش الذي لا يُقهر.
إن مصر عبر تاريخها الكبير وموقعها المتفرد وريادتها وتقدمها وحضارتها لم تكن في يوم من الأيام دولة معتدية أو ذات أطماع، فلم يُثبت التاريخ أنها فعلت أيًّا من ذلك، بل كان تحركها دائمًا من أجل الدفاع عن هويتها ووجودها وسيادتها التي لا تقبل الشك أو المزايدة.
وبمراجعة بطولات مصر في السابق داخل وخارج أراضيها بجيشها الرادع، نرى مدى قوة العقيدة القتالية العالية واليقين المتفرد وقدرتها على تحقيق أهدافها وغاياتها وأداء رسالتها ومهمتها على أكمل وجه.
ومن هنا كانت الجندية المصرية هي خير جنود الأرض، بنص حديث رسول الإنسانية صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندًا كثيفًا، فإنهم وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة".
ورغم ذلك، ورغم قوة مصر وثقلها الدولي والإقليمي، فإن شعارها على الدوام هو "سلام لا استسلام".
سلام لتجنيب العالم ويلات الحروب والدمار، سلام بعزة نفس وشموخ غاية، سلام ليقينها بأن الله لا يريد منا ولا لنا الدمار والخراب، بل يريد لنا الحياة الآمنة المطمئنة بغاية ووسيلة لا تعرف الهوان والمذلة. فالأنفة والشموخ كلمات رسمتها ملامح الشخصية المصرية جيلاً بعد جيل، فهي جينات وراثية سطرتها أحرف التاريخ بمداد من الذهب على صفحات ناصعة البياض من الفضة.
يقول الرئيس الأسبق محمد أنور السادات رحمه الله:
"إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أي مقياس عسكري، ويستطيع هذا الوطن أن يطمئن أنه أصبح له درع وسيف.
إن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا، وباسم هذا الشعب، وباسم هذه الأمة، ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة.
إن التاريخ العسكري سيتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية السادس من أكتوبر 1973، حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه في 6 ساعات.
سوف نُسلّم أعلامنا مرتفعة هامتها، عزيزة صواريها".