تعيش المنطقة توترات متصاعدة بين إيران وإسرائيل، تتخللها سلسلة من الهجمات المتبادلة والتصريحات الحادة، كان آخرها الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران على تل أبيب، ردود الأفعال الإسرائيلية والإيرانية المتلاحقة، بجانب التصريحات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، جعلت الأسواق النفطية والعالمية في حالة ترقب شديد.
وفي ظل هذه التوترات، تتزايد التكهنات حول استهداف المنشآت النفطية والنووية الإيرانية، مما قد يترتب عليه تداعيات خطيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
إسرائيل والمنشآت النفطية الإيرانية
وفي أبريل الماضي، قامت إيران بشن هجوم صاروخي على تل أبيب، الأمر الذي ردت عليه إسرائيل بهجوم محدود تحت ضغط من الإدارة الأميركية. وتكرر الأمر في أكتوبر الجاري، ولكن هذه المرة اختلفت الأوضاع والنتائج بشكل ملحوظ. الأسواق استجابت لهذا الاختلاف، حيث ارتفعت أسعار النفط مع تصاعد المخاوف من احتمالية استهداف المنشآت النفطية الإيرانية في أي هجوم إسرائيلي مرتقب.
وساهمت تصريحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في إشعال الأسواق عندما سُئل عما إذا كان سيدعم ضرب إسرائيل لمنشآت النفط الإيرانية، حيث أجاب قائلاً: "نحن نناقش ذلك". هذه التصريحات أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط، حيث صعد خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 5%، وتم تسويته فوق مستوى 73 دولاراً للبرميل، في حين ارتفع خام برنت إلى 77.7 دولاراً.
وتُظهر بيانات شركة "كبلر" أن صادرات النفط الإيرانية بلغت حوالي 1.6 مليون برميل يوميًا هذا العام، وحققت صادرات سبتمبر رقماً قياسياً وصل إلى 1.88 مليون برميل يوميًا، رغم العقوبات الأميركية.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي، إيهاب عمر، في منشور على صفحته على فيسبوك، إن الاتفاق الجديد يشير إلى أن إسرائيل قد تستهدف منصات النفط في إيران، بينما سترد الفصائل العراقية باستهداف منصات النفط في إسرائيل، العراق، سوريا، وربما الخليج العربي. وأشار إلى بيان صدر عن تنظيم كتائب حزب الله العراقي، الذي أوضح أن "حرب الطاقة" قد تؤدي إلى فقدان العالم 12 مليون برميل نفط يومياً، مؤكداً أن المنطقة تقف أمام خيارين: إما أن ينعم الجميع بخيرات الطاقة، أو يُحرَم الجميع منها.
وأضاف عمر أن الفصائل العراقية أصدرت عدة بيانات خلال الـ24 ساعة الماضية، أكدت فيها أن المرحلة المقبلة ستشهد حرب طاقة في الخليج العربي، مع احتمالية إغلاق مضيق هرمز إذا لزم الأمر.
وأكد أنه إذا كان البعض يعتقد أن هذا السيناريو سيؤذي الولايات المتحدة، فهو مخطئ. موضحاً أن الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، تستهلك 11 مليون برميل يومياً، في حين أن الولايات المتحدة تمتلك احتياطياً نفطياً فدرالياً كبيراً وتسيطر على السوق السوداء للنفط في سوريا واليمن وحتى فنزويلا. أما بالنسبة لأوروبا، فإن الأضرار الاقتصادية لن تشكل مشكلة كبيرة لأميركا.
وأشار إلى أن إيران تستعد لإغلاق مضيق هرمز، وأن هذا الإجراء قد يؤدي إلى خنق الاقتصاد في آسيا، بما في ذلك الصين، اليابان، والهند. كما أن إغلاق المضيق قد يسهم في رفع قيمة الدولار الأمريكي، مما يعني أن الولايات المتحدة لن تحتاج إلى خفض أسعار الفائدة في نهاية عام 2024، وقد يتسبب في أزمة تضخم عالمية جديدة، يكون المستفيد منها شبكات الغرب التي تدير الرأسمالية في إطار ما وصفه بـ "رأسمالية الكوارث".
وختم عمر تصريحه قائلاً: "بالطبع، ليس بالضرورة أن يتم تنفيذ كل فصل من هذه المسرحية بالكامل، لكنه بالتأكيد هو المسعى في الفترة المقبلة."
من جانبه، قال الخبير السياسي، الدكتور بهاء محمود، إن الولايات المتحدة ينبغي أن تناقش مع إسرائيل مسألة استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، موضحًا أن هذا السيناريو قد يكون مطروحًا كاحتمال قائم، باعتباره وسيلة لتعطيل قدرات إيران وزيادة الضغط عليها من خلال العقوبات. ومع ذلك، أشار إلى أن هذا الخيار ليس مؤكدًا في الوقت الحالي، خاصة أن إيران لم تلحق خسائر كبيرة بإسرائيل حتى الآن.
وأضاف محمود في تصريحات لـ "صدى البلد" أن "إيران لم توجه ضربات مؤثرة بشكل كبير على إسرائيل، كما أن حزب الله يتعرض لهجمات متكررة دون تحقيق نجاحات ملحوظة." وأوضح أن السيناريو الذي يتوقع توسيع نطاق الصراع ليشمل استهداف المصالح العربية قد لا يكون واقعياً بالكامل، مشيرًا إلى أن الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة قد تتورط في بعض الملفات مثل حزب الله في لبنان أو الأوضاع في غزة، ولكن لن تصل الأمور إلى الإضرار بمصالحها الحيوية نتيجة التحركات الإسرائيلية.
وأشار الخبير إلى أن جزءاً من هذا السيناريو قد يحدث في إطار ما يُعرف بـ"مفهوم الردع"، حيث يهدد كل طرف بتنفيذ إجراءات إذا تم اتخاذ خطوات معادية. لكنه أكد أن التفاصيل الدقيقة لهذا السيناريو ليست مطروحة حالياً، ولا يعتقد أن الأمور ستصل إلى هذا المستوى من التصعيد.
وفي ختام حديثه، أشار محمود إلى أنه في حالة تعرض إيران لانهيار كامل، قد تزيد من هجماتها، لكن حتى الآن، لا تزال حركات المقاومة مثل حزب الله وحماس نشطة على الرغم من الخسائر البشرية. وأضاف أن "إيران قادرة على إعادة بناء حركات المقاومة من جديد، لأنها تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية: التسليح، العقيدة، والجنود. وعقيدة المقاومة متجذرة في المنطقة منذ زمن بعيد، خاصة وأنها كانت دائماً تحت الاحتلال، سواء الغربي أو الإسرائيلي".
ومن جانب آخر، قال الخبير في مجال الطاقة، أمود شكري، إن البنية التحتية النفطية الإيرانية تتركز في الجنوب الغربي، حيث تُعد حقول خوزستان والحقول البحرية من أهم مواقع الإنتاج، وتعتبر مرافئ جزيرة خارج ولاوان من المواقع الحيوية للتصدير.
ويشير شكري إلى أن المرافئ الإيرانية، وخصوصاً في جزيرة خارج، تعتبر أهدافًا استراتيجية لأي هجوم إسرائيلي محتمل، نظرًا لأهميتها في صادرات النفط. كما يمكن أن تستهدف إسرائيل الحقول الكبرى مثل أحواز وغاشساران، ما قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج وخلق ضغوط اقتصادية محلية.
ويستبعد محللون مثل هومايون فلكشاهي وشيماء المرسي أن تلجأ إسرائيل إلى ضرب المنشآت النفطية الإيرانية بسبب تأثير ذلك على المستهلكين العالميين، وخاصة الصين، التي تستورد نحو 97% من صادرات النفط الإيرانية. بدلاً من ذلك، قد تركز إسرائيل على استهداف المنشآت العسكرية والنووية التي تمثل تهديدًا أكبر لإسرائيل.
وإذا قررت إسرائيل استهداف المنشآت النفطية، فإن استهداف منشآت التصدير سيؤدي إلى خفض أو وقف الصادرات الإيرانية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية. بينما استهداف منشآت التكرير قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يزيد من كميات النفط المتاحة للتصدير.
ويرى شكري أن أي ضربة لمنشآت النفط الإيرانية قد تؤدي إلى توتر في الخليج العربي، مما قد يهدد شحنات النفط عبر مضيق هرمز. وفي حال محاولة إيران إغلاق المضيق، فقد يؤدي ذلك إلى تدخل دولي قوي، خاصة من الولايات المتحدة التي تعتبر حرية الملاحة في المضيق مصلحة استراتيجية.
وتلجأ إيران منذ فرض العقوبات الأميركية إلى تخزين النفط في السفن في عرض البحر، وهو ما يمنحها مرونة أكبر في تحايلها على العقوبات. ومع ذلك، يستبعد شكري أن تقوم إسرائيل باستهداف هذه السفن، نظرًا للتداعيات البيئية والاقتصادية الخطيرة التي قد تترتب على مثل هذه الخطوة.
ووفقًا لتقديرات "سيتي غروب"، فإن استهداف كبير للصناعة النفطية الإيرانية قد يؤدي إلى إيقاف مؤقت لحوالي 1.5 مليون برميل من الإمدادات اليومية. كما أن استهداف منشآت التصدير قد يدفع إيران لمحاولة إغلاق مضيق هرمز، مما سيؤثر بشكل كبير على تدفقات النفط العالمية.
وبالإضافة إلى استهداف قطاع النفط، قد تركز إسرائيل هجماتها على المنشآت النووية الإيرانية مثل "نطنز" و"فوردو"، التي تُعتبر أهدافًا أساسية. استهداف هذه المنشآت قد يؤدي إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني مؤقتًا، لكنه قد يدفع إيران إلى تسريع جهودها النووية على المدى الطويل.
ورغم التهديدات المتزايدة، يبقى استهداف المنشآت النفطية أو النووية قراراً محفوفاً بالمخاطر، قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع النطاق.