في السادس من أكتوبر عام 1973، لم يكن الانتصار المصري مجرد نتيجة لتخطيط بري محكم، بل كان للقوات الجوية المصرية دور محوري في تحقيق التفوق العسكري على الجبهة الإسرائيلية.
أظهرت هذه الحرب براعة القوات الجوية المصرية وقدرتها على تغيير مسار المعركة من خلال توجيه ضربات دقيقة ومنسقة للعمق الإسرائيلي وللأهداف الاستراتيجية على طول جبهة سيناء.
تعدّ العملية الجوية التي نُفذت في اليوم الأول من الحرب بمثابة نقطة تحول استراتيجية ساهمت في إضعاف الدفاعات الإسرائيلية وتحقيق التقدم البري السريع.
هذا التقرير، الخامس في سلسلة تقارير حرب 6 أكتوبر، يستعرض الدور الرئيسي الذي لعبته القوات الجوية المصرية في تحقيق انتصار حرب أكتوبر، مع تسليط الضوء على الاستراتيجيات المستخدمة، والتنسيق مع القوات البرية، وتأثير هذا الدور على مجريات الحرب.
الهجوم الجوي الأول.. اللحظة الحاسمة
بدأت حرب أكتوبر بهجوم جوي مفاجئ ومنسق شمل أكثر من 200 طائرة مقاتلة مصرية.
كانت هذه العملية، التي استهدفت مواقع استراتيجية على طول جبهة سيناء، منسقة بعناية لضرب مراكز القيادة الإسرائيلية، ومدرجات الطائرات، ومواقع الدفاع الجوي، والجسور الحيوية.
كان الهدف من هذه الهجمات شلّ قدرة القوات الإسرائيلية على الرد السريع ومنح القوات البرية المصرية الفرصة لعبور قناة السويس بأقل قدر من المقاومة.
كانت هذه العملية الجريئة قادرة على تدمير عدد كبير من الأهداف في غضون ساعات قليلة، ما جعل القوات الجوية المصرية تكسب المرحلة الأولى من الحرب، حيث تمكنت من ضرب العدو في عمقه وإضعاف ردود فعله.
التفوق الجوي وفرصة التقدم البري
بعد الهجوم الجوي المفاجئ، حققت القوات الجوية المصرية تفوقاً جوياً على ساحة المعركة.
هذا التفوق لم يكن فقط نتيجة الهجوم الأولي، بل جاء أيضًا من التنسيق العالي بين القوات الجوية والبرية المصرية.
كان هذا التنسيق أحد العناصر الأساسية لنجاح خطة العبور المصرية، حيث دعمت القوات الجوية عمليات عبور قناة السويس من خلال تدمير مراكز القيادة الإسرائيلية وإسكات دفاعاتها الجوية.
بفضل هذا التفوق الجوي، تمكنت القوات المصرية من إقامة رؤوس جسور على الضفة الشرقية للقناة، وتأمين تقدم القوات البرية بفاعلية. كان هذا التفوق يعني أن الطائرات الإسرائيلية كانت غير قادرة على شن هجمات مضادة قوية خلال الساعات الأولى من الحرب، مما منح القوات المصرية الفرصة لترسيخ مكاسبها.
الدور التكتيكي للطائرات الحربية المصرية
إلى جانب الهجوم الجوي الأولي، قامت القوات الجوية المصرية بتكتيكات متعددة خلال الأيام التالية من الحرب.
استخدمت الطائرات المصرية الحربية لتقديم الدعم الجوي القريب للقوات البرية التي كانت تشتبك مع القوات الإسرائيلية على الأرض.
على مدار الحرب، قامت الطائرات المصرية بتنفيذ مئات الغارات التي استهدفت الدبابات والمركبات المدرعة الإسرائيلية، ما أضعف القدرة الهجومية للعدو.
أحد النجاحات التكتيكية الكبيرة كانت استهداف محاور تحركات القوات الإسرائيلية على الجبهة، حيث تم تعطيل العديد من محاولات العدو لتنظيم هجمات مضادة لاستعادة المواقع التي خسرها.
الاستفادة من قدرات الصواريخ والدفاع الجوي
لم يكن التفوق الجوي المصري ممكناً لولا دعم نظام الدفاع الجوي المصري، والذي كان متطورًا في ذلك الوقت، خلال حرب الاستنزاف التي سبقت أكتوبر، كان لدى مصر فرصة لتطوير وتعزيز دفاعاتها الجوية باستخدام منظومات صواريخ "سام" التي أثبتت فعاليتها في منع الطائرات الإسرائيلية من السيطرة على الأجواء فوق ساحة المعركة.
خلال حرب أكتوبر، نجح هذا النظام في حماية سماء مصر ومواقعها الأمامية، ما ساهم في تقليص الفارق الكبير بين التفوق الجوي الإسرائيلي والمصري.
ساعدت هذه الصواريخ في توفير غطاء جوي لقوات العبور وتأمين المناطق الحيوية من الهجمات الجوية الإسرائيلية.
الدعم السوري والعراقي
إلى جانب الجهود المصرية، كان هناك تنسيق بين الجيوش العربية المشاركة في الحرب، خاصة على المستوى الجوي.
قدمت القوات الجوية السورية والعراقية دعمًا مهمًا للجبهة المصرية من خلال استهداف مواقع إسرائيلية في الجولان، ما ساهم في تشتيت قدرات الطيران الإسرائيلي على الجبهتين المصرية والسورية.
هذا التنسيق العربي، على الرغم من أنه لم يكن واسع النطاق كما هو متوقع، إلا أنه أسهم في تخفيف الضغط على القوات الجوية المصرية، وجعل من الصعب على إسرائيل التركيز على جبهة واحدة.
وتظل القوات الجوية المصرية رمزًا للبطولة والإبداع العسكري خلال حرب أكتوبر 1973.
لقد لعبت دورًا محوريًا في تأمين التفوق التكتيكي على إسرائيل في الأيام الأولى من الحرب، وساهمت بشكل مباشر في نجاح عملية عبور القناة وتدمير الدفاعات الإسرائيلية.