حرب السادس من أكتوبر 1973 كانت نقطة تحول هامة في العلاقات بين مصر وإسرائيل، حيث مهدت الطريق لاتفاقيات السلام التي جاءت بعد سنوات من الحروب العسكرية. ولكن بالرغم من التحولات الدبلوماسية التي جرت بين البلدين، بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد التي كانت خطوة نحو استعادة سيناء وتحقيق الاستقرار السياسي، إلا أن التطبيع الشعبي بين مصر وإسرائيل لم ولن يتحقق أبداً.
ما يزال الشعب المصري ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة محتلة، وهذا الشعور لا يتغير بسبب تاريخ طويل من العدوان والاحتلال، إن هذا الموقف الشعبي يعكس قناعة راسخة بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية وطنية ودينية مرتبطة بمفهوم الأرض والكرامة.
في هذا التقرير، الرابع في سلسلة تقارير حرب ٦ أكتوبر، نسلط الضوء على التحول الدبلوماسي الذي حدث بعد حرب أكتوبر، وكيف أن السلام بين الحكومات لم ينعكس على مستوى العلاقات الشعبية بين البلدين.
من الحرب إلى السلام الدبلوماسي
بعد حرب أكتوبر، بدأت مصر في توجيه جهودها نحو إنهاء الاشتباك العسكري مع إسرائيل من خلال المفاوضات، وكانت اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979 علامة فارقة في هذا السياق، حيث أفضت إلى انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء وعودة الأراضي إلى السيادة المصرية.
هذا الإنجاز كان خطوة مهمة في استعادة كرامة مصر وسيادتها على أراضيها، وهو نصر دبلوماسي كبير بعد نجاح العمليات العسكرية.
ومع ذلك، فإن السلام الذي تم تحقيقه كان سلامًا رسميًا بين الحكومات، وليس سلامًا بين الشعوب.
القيادة المصرية، برئاسة الرئيس أنور السادات، رأت أن تحقيق السلام مع إسرائيل ضرورة لتجنب المزيد من الحروب واستنزاف الموارد، خصوصًا بعد النجاح في استعادة سيناء، ورغم ذلك، ظل الشعب المصري يتعامل مع هذا السلام بحذر ورفض تطبيع العلاقات على المستوى الشعبي.
فجوة كبيرة بين السلام الرسمي والتطبيع الشعبي
بينما حققت مصر وإسرائيل السلام على المستوى الرسمي، لم يتمكن هذا السلام من الانتقال إلى مستوى العلاقات الشعبية، فالشعب المصري، على مدار عقود، ظل يرفض أي نوع من التطبيع مع إسرائيل.
يرى جميع المصريين أن إسرائيل ما تزال دولة احتلال، وأن تاريخها من الاعتداءات والاحتلال للأراضي العربية يجعل من المستحيل قبولها كشريك أو جارة طبيعية.
بالنسبة للشعب المصري، تمثل القضية الفلسطينية قضية وطنية ودينية، وهي قضية غير قابلة للتفاوض، لذا، رغم أن العلاقات الدبلوماسية قائمة، فإن المصريين ينظرون إلى هذه العلاقات على أنها ضرورة سياسية فرضتها الظروف، وليست خيارًا شعبيًا يعكس رغبة جماهيرية في التطبيع مع إسرائيل.
القضية الفلسطينية: قضية أرض ووطن ودين
يظل الدعم الشعبي المصري للقضية الفلسطينية قوياً وثابتاً، حيث يعتبر المصريون أن فلسطين ليست فقط قضية سياسية، بل هي قضية مرتبطة بالكرامة الوطنية والدين.
القدس والأراضي المحتلة تمثل للمصريين رمزاً لمقاومة الاحتلال والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ومن هذا المنطلق، ينظر المصريون إلى التطبيع مع إسرائيل على أنه تنازل غير مقبول عن المبادئ الوطنية القومية، هذا الشعور بالواجب تجاه فلسطين يمنع أي قبول شعبي لإسرائيل، ويظل الفلسطينيون في نظر المصريين ضحايا لاحتلال طويل الأمد.
رفض التطبيع: استمرارية الموقف الشعبي
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على اتفاقية كامب ديفيد، لا يزال المصريون يعبرون عن رفضهم القاطع للتطبيع مع إسرائيل.
هذا الرفض يتجلى في مواقف مختلفة، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو حتى رياضية، ما تزال الحملات الشعبية ضد التطبيع مستمرة، وتلقى دعماً واسعاً من قبل الشخصيات العامة والمفكرين المصريين.
بالنسبة للكثيرين، فإن التطبيع مع إسرائيل يعد خيانة لمبادئ التضامن العربي والقضية الفلسطينية.
في حين أن بعض الحكومات العربية الأخرى قد سلكت مسار التطبيع مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، يبقى الشعب المصري متمسكاً بموقفه الرافض لهذا التطبيع، معتبراً أن العلاقة مع إسرائيل ستظل مشوبة بعدم الثقة طالما استمرت في احتلال الأراضي الفلسطينية.