يعد انتصار حرب أكتوبر 1973 من أهم الأحداث في التاريخ العربي الحديث، ليس فقط لمصر، ولكن للعالم العربي بأسره.
كانت هذه الحرب لحظة تاريخية فريدة تجسدت فيها الوحدة العربية عبر جبهات مختلفة، سياسياً وعسكرياً. لقد أثبت العرب في هذا الوقت أن العمل المشترك والتنسيق الإقليمي يمكن أن يؤدي إلى تغيير في ميزان القوى في الشرق الأوسط.
هذا التقرير، الثالث في سلسلة تقارير حرب ٦ أكتوبر، يركز على دور الوحدة العربية في تحقيق الانتصار خلال حرب أكتوبر، موضحًا كيفية التنسيق بين الدول العربية على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي، وما الذي ساهم به هذا الدعم في نجاح العمليات العسكرية المصرية والسورية.
التنسيق العسكري بين مصر وسوريا
أحد أبرز جوانب الوحدة العربية التي ظهرت في حرب أكتوبر هو التنسيق العسكري بين مصر وسوريا. كان الهجوم المصري على قناة السويس متزامناً مع هجوم سوري على مرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما أدى إلى تشتيت جهود قوات العدو الإسرائيلية وجعل من الصعب على إسرائيل التركيز على جبهة واحدة.
هذا التنسيق بين الجبهتين الشرقية والغربية كان نتاجاً لتفاهمات ومشاورات دقيقة بين القيادتين المصرية والسورية، بقيادة الرئيس أنور السادات والرئيس حافظ الأسد.
كان هذا التنسيق مع سوريا دليلاً على أهمية العمل الجماعي في مواجهة عدو مشترك.
الهجوم المتزامن كان جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إجبار إسرائيل على القتال في أكثر من جبهة في وقت واحد، مما أضعف قدرتها على الرد الفوري وأدى إلى نجاح المراحل الأولى من العمليات العسكرية.
الدعم المالي واللوجستي من الدول العربية
لم يكن الدعم العربي لمصر وسوريا خلال حرب أكتوبر مقتصراً على التنسيق العسكري فقط، بل شمل أيضاً دعماً مالياً ولوجستياً كبيراً من الدول العربية الأخرى.
وكانت المملكة العربية السعودية والكويت وليبيا من بين الدول التي قدمت دعمًا ماليًا كبيرًا لمصر وسوريا لمواجهة التحديات الاقتصادية التي ترافق الحروب الطويلة.
كما قدمت دول مثل العراق والأردن قوات عسكرية لدعم الجبهتين المصرية والسورية.
هذا الدعم المتعدد الأوجه لم يكن مجرد مساعدة رمزية، بل كان جزءاً أساسياً من نجاح العمليات العسكرية، حيث وفرت الدول العربية الموارد التي ساعدت على استمرار الحرب وتمكين القوات المصرية والسورية من الصمود أمام العدو.
استخدام سلاح النفط والضغط الاقتصادي على الغرب
أحد أهم الأسلحة التي استخدمتها الدول العربية خلال حرب أكتوبر كان سلاح النفط.
قامت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، بقيادة المملكة العربية السعودية، بفرض حظر نفطي على الدول الغربية التي دعمت إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية.
هذا الحظر كان خطوة جريئة وغير مسبوقة من الدول العربية وأدى إلى أزمة طاقة عالمية، عُرفت فيما بعد باسم "أزمة النفط" في السبعينيات.
والضغط الاقتصادي الذي نجم عن الحظر النفطي ساهم في تقويض الدعم الغربي لإسرائيل وخلق ضغوطاً كبيرة على الحكومات الغربية لإعادة النظر في سياساتها تجاه الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي.
بالنسبة للمصريين والعرب، كان استخدام سلاح النفط دليلاً على أن القوة العربية لا تقتصر على الجوانب العسكرية، بل تمتد لتشمل القوة الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر على السياسة الدولية.
الوحدة السياسية والدبلوماسية العربية
إلى جانب الدعم العسكري والمالي، لعبت الوحدة السياسية والدبلوماسية بين الدول العربية دورًا كبيرًا في تعزيز موقف مصر وسوريا خلال الحرب. كانت الدول العربية موحدة في إدانتها للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ونجحت في نقل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
لعبت الدبلوماسية العربية دورًا كبيرًا في كسب الدعم السياسي من دول غير عربية ودفع المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل. هذا التضامن العربي السياسي كان جزءاً من استراتيجية متكاملة لتأمين المكاسب العسكرية وتحويلها إلى إنجازات سياسية ملموسة.
الدور الشعبي العربي: التضامن من المحيط إلى الخليج
لم تقتصر الوحدة العربية في حرب أكتوبر على الحكومات فقط، بل امتدت إلى الشعوب العربية التي أظهرت تضامناً غير مسبوق. من المغرب إلى الخليج، شهد العالم العربي تظاهرات حاشدة لدعم القوات المصرية والسورية.
كانت المشاعر الشعبية داعمة للمجهود الحربي، مما ساعد على تعزيز الروح المعنوية لدى الجنود والقادة. تجسدت الروح الوطنية والقومية العربية في ذلك الوقت في مظاهر دعم الشعوب العربية لحكوماتها وللجنود الذين يقاتلون من أجل استعادة الأراضي المحتلة.
واليوم، تظل حرب أكتوبر رمزاً للوحدة العربية والعمل الجماعي الذي يمكن أن يغير مسار التاريخ. دروس هذه الوحدة والتضامن تظل مهمة في السياق السياسي الحالي، وهي تذكير بأهمية التعاون العربي في مواجهة التحديات المشتركة.