قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

منال الشرقاوي تكتب: ملحمة الحب والحرب في أفلام أكتوبر

صدى البلد

لم يكن يعلم، وهو يودعها بنظرة أخيرة قبل أن ينطلق إلى ساحة المعركة، أن تلك اللحظة ستصبح ذكرى محفورة في قلبها إلى الأبد. غادر ليؤدي واجبه المقدس في الدفاع عن الوطن، غير مدرك أن الحرب ستفصله عنها للأبد. آلاف الشباب مثله تركوا خلفهم أحبتهم وأحلامهم، مستجيبين لنداء الوطن. ذلك النداء الأقوى من أي عاطفة. في تلك اللحظات، اختلطت مشاعر التضحية بالأمل، ليصبح الوطن الحبيب، هو الحب الأكبر الذي يفوق كل شيء. 
ومع اقتراب ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة في مصر، تعود إلى الذاكرة تلك اللحظات الملحمية التي قدمتها لنا السينما المصرية، حيث امتزجت فيها قصص الحب مع حكايات البطولة والتضحية. فالسينما المصرية لم تقتصر على تصوير المعارك العسكرية فقط، بل كشفت بعمق عن الإنسان خلف البطل، ذلك الإنسان الذي يضحي بكل شيء من أجل الوطن. حرب أكتوبر كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ مصر، حيث وقفت الأمة بأكملها صفًا واحدًا، لا يوجد بيت إلا وله قصة تروى عن أحد أفراد الأسرة الذين شاركوا على الجبهة. فعظمة حرب أكتوبر لم تتجل فقط في الانتصار العسكري، بل في الروح الجماعية التي سادت كل أسرة مصرية. كل جندي يقاتل بروح أهله وأحبته، وكل منزل أصبح جزءًا من تلك الحرب. الأمهات تودع أبناءهن بشجاعة، الزوجات تنتظرن بصبر، والأطفال يفخرون بأبطالهم.
السينما المصرية استطاعت من خلال أفلام حرب أكتوبر أن تنقل لنا تلك الروح الوطنية، ليس فقط عبر البطولات الفردية، بل عبر التضحيات التي قدمها المصريون في حياتهم اليومية. فكل قصة حب في تلك الأفلام هي رمز لتضحية أكبر. الجنود تركوا وراءهم أحلامهم ليقفوا في وجه العدو، والبيوت المصرية عاشت الحرب بقلوب مليئة بالأمل في النصر والفخر بوطنهم. حرب أكتوبر لم تكن مجرد معركة عسكرية حاسمة فحسب؛ بل ملحمة وطنية عاشتها كل أسرة مصرية، سواء من خلال المشاركة المباشرة أو بالدعاء والانتظار، لتصبح كل روح مصرية جزءًا من معركة الكرامة.
ومن أبرز الأفلام التي جسدت هذه الروح الوطنية وتعمقت في تجسيد التضحيات الفردية والجماعية، يأتي فيلم العمر لحظة للمخرج "محمد راضي" 1978 عن قصة للكاتب "يوسف السباعي"، وتدور أحداثه حول "نعمت" الصحفية التي تؤمن بالعمل الوطني وتعارض السلبية التي يتبناها زوجها "عبد القادر"، رئيس التحرير الذي ينشر مقالات تدعو لليأس بعد هزيمة 1967. فتنفصل عنه نتيجة لخلافهما حول تلك القضايا، وتشارك في العمل التطوعي في المستشفيات لمساعدة الجنود الجرحى. وخلال عملها، تتعرف على ضابط الصاعقة "محمود"، الذي يعاني من مشاكل شخصية مع زوجته. تبدأ نعمت في مساعدة الجنود، وتكتب مقالات ترفع الروح المعنوية وتدعو للأمل. وبمرور الوقت، تعيش نعمت أجواء الحرب والاستنزاف وتصبح أقرب إلى الجنود. ومع اندلاع حرب أكتوبر، تستشهد العديد من الشخصيات التي تعرفت عليها. الفيلم يعكس روح التضحية والعمل الوطني في إطار إنساني. ويبرز الأجواء الأسرية للجنود متداخلة مع مشاهد الحرب.
وبينما يعكس فيلم "العمر لحظة" مشاعر الصحفية نعمت وتفاعلها مع الجنود، يأتي فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" (1974) الذي كتبه إحسان عبد القدوس وأخرجه حسام الدين مصطفى. ليقدم منظورًا مختلفًا من خلال قصة الجندي المصري "محمد"، الذي يواجه عقبات شخصية أثناء الحرب. فيعود من الجبهة ليكتشف أن حبيبته، "فاطمة"، قد واجهت تحديات كبيرة أثناء غيابه. ففي قلب المعارك والصراعات التي عاشها، يظل حبه لها يمثل الجانب الرومانسي في حياته. و على الرغم من محاولات "عباس" للزواج منها واستغلاله للفلاحين، تبقى فاطمة رمزًا للأمل والشرف في عينيه. وبينما تتصاعد أحداث الفيلم مع مشاهد الحرب الملحمية من حرب الاستنزاف إلى انتصار أكتوبر، نرى الصراع بين واجب الجندي الذي يخوض المعركة من أجل وطنه، والإنسان الذي يتوق للعودة إلى حبيبته وإنقاذها. في النهاية، يعود محمد إلى قريته بعد الانتصار، ويتزوج فاطمة، والرصاصة لا تزال في جيبه.
إلى جانب هذه الأفلام، يأتي فيلم، "أبناء الصمت"، حيث يبرز كيف أن كل جندي يحمل قصة لا تقل بطولة عن غيره، وكيف إن تلك المعارك ليست فقط مواجهات عسكرية، بل معارك إنسانية بداخل كل مقاتل. وكذلك فيلم "بدور" الذي يعكس جوانب أخرى، حيث نرى العلاقات الإنسانية تختلط بالواجب الوطني، والقلوب تقاتل بنفس القوة التي تحمل بها السلاح. هذه الأفلام، وغيرها ليست مجرد توثيق للحدث، بل وسيلة لاستحضار روح تلك المرحلة بكل ما فيها من مشاعر، تضحيات، وأمل. لقد جسدت تلك الأفلام حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها، أن الأبطال لم يكونوا فقط على الجبهة، بل في كل بيت، وفي كل قلب مصري.

-