في عالم متسارع تغمره التكنولوجيا وتقيّدنا حدود الروتين، هناك من يتحدى المألوف ويغامر في رحلة غير اعتيادية. توم تورسيتش، الشاب الأمريكي من نيوجيرسي، لم يكن يتخيل أن خطاه على هذا الكوكب ستأخذه في مغامرة ملحمية استغرقت سبع سنوات، شهدت خلالها أقدامه السير على ست قارات وزيارة 38 دولة، ليصبح واحدًا من القلائل الذين جابوا العالم سيرًا على الأقدام.
البداية: الدافع من الموت نحو الحياة
بدأت قصة توم بدافع غير متوقع، عندما فقد اثنين من أقرب أصدقائه في حادث مأساوي، تلك الخسارة المفجعة جعلته يتأمل في مدى هشاشة الحياة، وبدلاً من الانهيار، قرر أن يكرس حياته لتحقيق حلم لم يكن حتى متصورًا: أن يجوب العالم سيرًا على الأقدام. كان الدافع شخصيًا وبسيطًا: أن يعيش الحياة بأقصى ما يمكنه، وأن يخلق ذكريات لا تُنسى في كل ركن من أركان الأرض.
سبع سنوات.. مئات الآلاف من الخطوات
بدأ توم رحلته في أبريل 2015، ترافقه كلبته "سافانا"، التي أصبحت لاحقًا شريكة مغامراته وصديقته الوفية، عبرا معًا القارات من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا، مرورًا بآسيا وأفريقيا، في رحلة كانت مليئة بالتحديات والمواقف الإنسانية. قابل أشخاصًا من ثقافات مختلفة، وواجه الطبيعة بكل جمالها وقسوتها.
في كل خطوة، كان توم يدرك أن هذه الرحلة لم تكن مجرد استكشاف للأماكن، بل كانت استكشافًا لنفسه. الصحراء القاحلة في ناميبيا، الغابات المطيرة في البرازيل، والجبال المغطاة بالثلوج في جورجيا – كل هذه المشاهد الطبيعية تركت في روحه أثرًا عميقًا، لكن العلاقة الأعمق كانت مع "سافانا"، التي كانت دائمًا إلى جانبه، تشاركه كل لحظة من الفرح والألم.
النهاية: فرحة ممزوجة بالحزن
في 21 مايو 2022، عاد توم إلى مسقط رأسه في نيوجيرسي بعد أن حقق حلمه الكبير. استقبال حافل من أهله وأصدقائه وجيرانه الذين تابعوا مغامرته بحماس. كانت اللحظة بمثابة ذروة إنجازه، حيث أصبح توم أحد القلائل في التاريخ الذين جابوا العالم سيرًا على الأقدام. كما حصلت "سافانا" على لقب فريد كأول كلبة ترافق صاحبها في رحلة كهذه.
لكن ما كان يبدو كنهاية سعيدة، تحول بسرعة إلى فصل من الحزن. فور انتهاء المغامرة، بدأ توم يشعر بفراغ كبير. تلك الحياة المليئة بالإثارة والمجهود البدني تحولت فجأة إلى روتين يومي خالٍ من التحدي. ولم يكن الفقد الحقيقي قد بدأ بعد.
الصدمة الكبرى: وداع "سافانا"
بعد عدة أشهر من عودته، أصيبت "سافانا" بمشاكل صحية خطيرة. رغم محاولات العلاج، إلا أن توم اضطر في النهاية إلى وداعها. كان فقدان "سافانا" صدمة قاسية، فقد كانت جزءًا لا يتجزأ من رحلته، ورفيقة دربه التي لم تفارقه في أي لحظة.
مع مرور الأيام، وجد توم نفسه في حالة من الحزن العميق. لم يكن فقدان الكلبة الحبيبة مجرد نهاية لحياة حيوان، بل كان رمزًا لانتهاء رحلته الكبرى. بدأ يشعر بأن الحياة بعد هذه المغامرة لم تعد كما كانت، وأنه قد فقد الغاية التي كانت تملأ كل لحظة من يومه.
الإلهام رغم الحزن
رغم الحزن الذي سيطر على توم بعد نهاية رحلته، إلا أن قصته تبقى مصدر إلهام لكثيرين. لقد عاش الحياة بشجاعة، وتحدى نفسه والعالم. لم يكن هدفه في النهاية أن يصبح مشهورًا، بل أن يعيش بتجربة فريدة ومليئة بالمعاني. واليوم، يشارك تلك التجربة مع الآخرين من خلال كتابه "المشي حول العالم"، الذي يحكي فيه عن تفاصيل رحلته، ليلهم الآخرين للبحث عن مغامراتهم الخاصة.
توم تورسيتش قد يكون فقد جزءًا كبيرًا من حياته برحيل "سافانا" وانتهاء مغامرته، لكن روح المغامرة لا تزال تسكنه. وربما تكون تلك الخطوات التي أخذها حول العالم قد رسمت له دربًا جديدًا، ليس بالضرورة مليئًا بالمشي، بل بالمعاني والدروس التي قد تستمر مدى الحياة.