في الأول من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم بمشروب القهوة، تلك الحبيبات السوداء التي غزت الأذواق في كل بقاع الأرض وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الروتين اليومي لملايين البشر.
و يعتبر اليوم العالمي للقهوة فرصة للاحتفاء بهذا المشروب العريق والتعرف على تاريخه وأسراره المثيرة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن القهوة لم تكن دائماً مشروباً كما نعرفه الآن؛ في بدايتها، كانت تُستهلك كـ "أكلة".
بداية غير متوقعة: القهوة كانت أكلة!
وفقاً للأسطورة، يعود الفضل في اكتشاف القهوة إلى راعي ماعز إثيوبي يُدعى "كالدي"، لاحظ أن ماعزه أصبحت أكثر نشاطاً بعد تناول حبوب من شجيرة غريبة، قام كالدي بتجربة تلك الحبوب بنفسه، ليشعر بالطاقة والنشاط الذي منحته له.
ومع مرور الوقت، اكتشف سكان المنطقة أن حبوب القهوة يمكن استخدامها ليس فقط كمشروب، ولكن كطعام، كانت الحبوب تُطحن وتُخلط مع الدهون الحيوانية لتشكيل كرات صغيرة تُستهلك كمصدر للطاقة، خاصة خلال الرحلات الطويلة.
هذه الحقيقة التاريخية المثيرة قد تكون مفاجئة للكثيرين، خاصة مع الشعبية الواسعة التي اكتسبتها القهوة كمشروب خلال القرون اللاحقة.
من إثيوبيا إلى العالم: رحلة القهوة الطويلة
بعد اكتشافها في إثيوبيا، شقت القهوة طريقها إلى شبه الجزيرة العربية، حيث تم تطوير طريقة تحميص الحبوب وغليها لصنع مشروب القهوة كما نعرفه اليوم. في القرن الخامس عشر، أصبح مشروب القهوة جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية في اليمن، وافتتحت المقاهي الأولى في مكة والمدينة.
ومع انتشارها في العالم الإسلامي، بدأت القهوة تشق طريقها إلى أوروبا في القرن السابع عشر، حيث لاقت رواجاً كبيراً، بحلول القرن الثامن عشر، كانت القهوة قد أصبحت مشروباً عالمياً، وسرعان ما انتشرت زراعتها في مناطق عديدة حول العالم.
حقائق غريبة عن القهوة
إلى جانب بدايتها كأكلة، هناك العديد من الحقائق الغريبة والمثيرة عن القهوة:
1. أكبر منتج للقهوة في العالم: تعد البرازيل أكبر منتج للقهوة في العالم، حيث تنتج حوالي ثلث الإنتاج العالمي، يعود تاريخ زراعة القهوة في البرازيل إلى أوائل القرن الثامن عشر، ومنذ ذلك الحين أصبحت الصناعة جزءاً حيوياً من الاقتصاد البرازيلي.
2. مقاهي القهوة التاريخية: أول مقهى للقهوة تم افتتاحه في مكة في القرن الخامس عشر، هذه المقاهي لم تكن مجرد أماكن لتناول القهوة، بل كانت ملتقى للنقاشات الفكرية والسياسية، وقد أُطلق عليها في بعض الأحيان "مدارس الفلاسفة".
3. القهوة والإبداع: ارتبط مشروب القهوة بالإبداع على مر العصور، الكثير من الكتّاب والمفكرين كانوا يعشقون القهوة، مثل الفيلسوف الفرنسي فولتير، الذي كان يستهلك ما يقارب 50 فنجاناً في اليوم، القهوة لم تكن مجرد مشروب بالنسبة له، بل كانت وقوداً لعقله الذي لا يتوقف عن التفكير.
4. القهوة وإطالة العمر: أظهرت الدراسات أن تناول القهوة بشكل معتدل قد يساعد في إطالة العمر وتقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، يُعتقد أن مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة تساهم في هذه الفوائد الصحية.
5. أنواع القهوة: تختلف أنواع القهوة من بلد إلى آخر، حيث تتمتع كل ثقافة بأسلوبها الخاص في تحضير المشروب، في إيطاليا، تسيطر الإسبريسو والكابتشينو، بينما في تركيا تُعتبر القهوة التركية مشروباً تقليدياً، ولها طقوسها الخاصة في التحضير والتقديم.
القهوة في الحياة اليومية: طقوس وتأملات
أصبحت القهوة أكثر من مجرد مشروب؛ فهي طقس يومي يرافق الكثيرين، سواء في الصباح الباكر أو خلال جلسات العمل والدراسة، بالنسبة للبعض، لا يبدأ يومهم بشكل صحيح دون كوب من القهوة الساخنة، الذي يمنحهم الطاقة والتركيز اللازمين لبدء يوم جديد، بالنسبة لآخرين، تعتبر القهوة وسيلة للترفيه والاسترخاء، حيث يجتمع الأصدقاء في المقاهي لتبادل الأحاديث وسط رائحة القهوة الشهية.
في هذا اليوم العالمي للقهوة، قد يكون من الجيد أن نتوقف لحظة للتفكير في تأثير هذا المشروب على حياتنا اليومية وثقافاتنا، من "أكلة" إلى مشروب لا غنى عنه، تستمر القهوة في لعب دور محوري في حياة الملايين حول العالم.
القهوة رمز عالمي
مع مرور القرون، استطاعت القهوة أن تتجاوز حدود الثقافات واللغات، لتصبح رمزاً عالمياً يجمع الناس من مختلف أنحاء العالم، سواء كنت تفضلها سوداء أو مع الحليب، ساخنة أو مثلجة، تبقى القهوة رمزاً للتواصل والإبداع والطاقة التي تدفعنا نحو الأمام.