يلتقي البحر والصحراء في مثلث حلايب بأصالة التراث، وتفوح رائحة مميزة تعبر عن أكثر من مجرد مشروب؛ إنها الجَبَنة، تلك القهوة التقليدية التي تمثل رمزًا للكرم والضيافة لدى قبائل البجا.
وعلى الرغم من تشابه الجَبَنة في مظهرها مع القهوة التقليدية، إلا أن طقوس تحضيرها وتناولها تعكس عمق الثقافة المحلية وتقاليد الأجداد.
تحضير الجَبَنة ليس بالأمر السريع أو العشوائي. إنه طقس يستغرق أكثر من ساعة يبدأ بإشعال النار، وتحميص حبوب البن الخضراء يدويًا، ثم صحنها مع قطع الزنجبيل في مشهد يجمع أفراد الأسرة حول هذا الحدث اليومي. يُضاف الماء إلى الخليط بتركيز كبير، ليتم غليها في وعاء مخصص لهذا الغرض. هذه العملية الطويلة لا تُعد عائقًا، بل هي جزء أساسي من متعة تناول الجَبَنة، إذ يؤمن البجا أن الاستمتاع بهذا المشروب لا يأتي إلا بالصبر والتأمل في كل مرحلة من مراحل التحضير.
وعندما يحين وقت التقديم، تُصب الجَبَنة في فناجين صغيرة تُشرب بأعداد فردية، على عكس القهوة التقليدية التي تُقدم عادة في فنجان كبير. لا يمكن أن تجد بجاويًا يبدأ يومه دون أن يفرغ من فنجان الجَبَنة، فهي الرفيقة التي لا غنى عنها، حتى لو تطلب الأمر تأجيل المواعيد الهامة. ففي مجتمع البجا، كل شيء يمكن تأجيله إلا الجَبَنة.
في أزقة مثلث حلايب، من المنازل البسيطة وحتى المقاهي المتخصصة، تتسرب رائحة الجَبَنة في الهواء. لا توجد ضيافة أو جلسة تجمع الأهل والأصدقاء إلا وكانت الجَبَنة حاضرة، فهي ليست مجرد مشروب بل تعبير عن الكرم والشراكة. الجَبَنة ترافق البجا في حلهم وترحالهم، في باديتهم وحواضرهم، لتبقى رمزًا حيًا لتقاليدهم الأصيلة ورفيقًا دائمًا في منازلهم.