عندما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحفيين في نيويورك يوم الجمعة الماضي، إن الأيام المقبلة سوف تحدد المسار المستقبلي للشرق الأوسط، لم يكن بوسعه أن يكون أكثر بصيرة، حتى ولو كان يأمل في ذلك الوقت أن يتم إقناع حزب الله وإسرائيل بالتراجع عن حافة الهاوية.
والآن، وبعد تأكيد مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، خطت المنطقة، بعد 11 شهرًا منذ هجوم 7 أكتوبر، فوق حافة الهاوية ودخلت منحنى جديدًا لم تكن فيه قط.
رد فعل إيران
ووفقًا لتقرير صحيفة "جارديان" البريطانية، ستتجه كل الأنظار إلى رد فعل طهران. فهي تواجه الاختيار المشؤوم الذي سعت دائمًا إلى تجنبه، وهو الاختيار الذي لم ترغب قيادتها الإصلاحية الجديدة على وجه الخصوص في اتخاذه.
وحسب التقرير، فإذا أدانت إيران إسرائيل بغضب تدميرها لمحور المقاومة الذي بنته بشق الأنفس على مدى سنوات عديدة، أو دعت الآخرين إلى اتخاذ إجراءات غير محددة، فإن مصداقيتها معرضة للخطر.
ولكن الواقعية قد تدفع إيران إلى نصح حزب الله بتحمل الخسائر وقبول وقف إطلاق النار الذي لا يؤدي أيضًا إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهو الهدف المعلن لحزب الله.
وإذا ما شنت إيران بدلاً من ذلك هجومًا عسكريًا مباشرًا ضد إسرائيل، فلابد وأن يكون هذا الهجوم ذا مغزى، فهي تعلم أنها ستخوض معركة ضارية إلى حد كبير، خاصة في وقت قيل إن استخبارات الاحتلال اخترقت عمق حزب الله، وربما فعلت الشيء نفسه في طهران.
ومن وجهة نظر الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، الذي انتُخِب على أساس رفع العقوبات الاقتصادية جزئياً من خلال بناء علاقات أفضل مع الغرب، فإن اغتيال نصر الله لا يمكن أن يأتي في وقت أسوأ من هذا.
وكان وزير خارجية إيران عباس عراقجي قد أمضى للتو أسبوعًا كاملًا في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ التقى ساسة أوروبيين مثل وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في محاولة لإقناعهم بإعادة فتح المحادثات لاستعادة الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015 - ومزقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018.
وعلق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، على الأمر، قائلاً: "أعتقد أن هذه هي اللحظة التي يمكن فيها فعل شيء بشأن القضية النووية"
ووفقًا لتقرير "جارديان"، تتمثل ميزة عراقجي في أنه يعرف كل شيء عن هذه العملية، لذا فهو يسمح لها بالتحرك بشكل أسرع، إلا أن مقتل نصر الله يجعل من الصعب للغاية على الإصلاحيين إقناع الجيش الإيراني بأن غصن الزيتون لا يزال له أي معنى.
فيما يجد حزب الله نفسه الآن أمام تحديات كبيرة، بعد مقتل أمينه العام، رغم استهدافهع مناطق أبعد، إلا أن عناصره يمرون بفترة من الغموض.
ووفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فالغموض جزء من الخطر. ففي حرب الاستنزاف التي دامت شهورا، كان الناس يتوقعون ما سيحدث. أما الآن فهم لا يعرفون شيئًا.
وفي بيان مؤقت، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى "الوقوف إلى جانب شعب لبنان وحزب الله الفخور بكل الوسائل المتاحة لهم ومساعدتهم في مواجهة الكيان الصهيوني".
إذلال دبلوماسي لأمريكا
لكن بالنسبة لواشنطن، هذا إذلال دبلوماسي واستعراض لعجزها، أو رفضها للسيطرة على حليفها المزعج.
ففي وقت سابق من يوم الجمعة، كانت هناك آمال ضعيفة معلقة على أن يقبل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، على الأقل، مناقشة مقترح وقف لإطلاق النار مدته 21 يومًا.
وكان المقترح من الولايات المتحدة وفرنسا. وحظي بدعم أقوى حلفاء إسرائيل في الغرب.
ولكن نتنياهو ألقى خطابًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، تميز بالعدوانية والإرهاب ولم يتحدث عن الدبلوماسية مطلقًا، وفقًا لـ"بي بي سي".
وقال "إن إسرائيل لا خيار أمامها إلا محاربة الأعداء المتوحشين، الذي يسعون إلى القضاء عليها. سيهزم حزب الله. وسنحقق نصرا تاما على حماس يضمن عودة الرهائن الإسرائيليين".
وأضاف "أن إسرائيل اليوم تنتصر. فلم نعد نساق إلى المذبحة كالنعاج". وهذه عبارة تستعمل أحيانا في إسرائيل للإشارة إلى المحرقة النازية.