كلما اعتقدنا أننا قد انتهينا من سرد قصص وحكاوى الأساطير اليونانية يتضح أنه ما زال بعد ونتلقي دعوة جديدة لقصة قديمة يتوجب علينا سردها والخوض في تفاصيلها المثيرة ولم اقول مثيرة من فراغ لأنها قصة مثيرة بالفعل قصة أوديب الذي قتل أبيه وتزوج أمه فكيف فعل هذا ولماذا هيا بنا نتعرف على قصة جديدة ونخوض في تفاصيل الحكاية .
تقول أسطورة إغريقية قديمة إن لايوس ملك مدينة طيبة اليونانية تنبأت له عرافة بأنه سيُرزق من زوجته جوكاستا بولدًا سوف يقتله ويتزوج من أمه ويستولي على العرش، ورُزق بالفعل وضعت زوجته الملكة جوكاستا ولداً .
وعلى هذا ، أمر الملك لايوس أحد رعاة ماشيته بأن يأخذ ذلك الطفل ويقتله، ولكن الراعي أشفق على الطفل، فثقب قدميه وتركه على جانب جبل، فعثر عليه راعٍ آخر على هذا الطفل، فأخذه إلى بوليبوس ملك كورنثة، وكان بوليبوس لم يرزق هو وزوجته بأطفال فتبناه هذا الطفل وأحبه هو وزوجته وسماه أوديب، أي ذو القدم المتورمة.
لما كبر أوديب وأشتد عوده استشار وحيًا بدوره، فعلم ما أفزعه، علم أنه مقدر له أن يقتل أباه ويتزوج من أمه(وظن أوديب أنه سيقتل بوليبوس)، الذي تبناه وأحبه كثيراً وما كان من أوديب لكي يتحاشى مثل هذا القضاء،بأن يسرع بمغادرة كورنثة في عربة ومعه خادم واحد، وأخذ يطوف في بلاد الإغريق هنا وهناك . إلي أن آتي يومٍ ما، وهذا اليوم التي ستتحقق فيه النبوءة و بينما هو يسير بعربته في طريق ضيق، التقى برجل في عربة أخرى، فأمره هذا الرجل متغطرسًا أن يُفسح له الطريق.
ولما رفض أوديب الانصياع لأمره، قفز خادم من عربة ذلك الرجل، وقتل أحد خيول أوديب.
فما كان من أوديب، إ لا أن غضب وقد ثارت ثائرته واشتد غضبه، وما كان إلا أن هجم على راكب العربة فقتَله. كان ذلك الرجل هو لايوس والده الحقيقي، وهكذا قتَلَ أوديب أباه دون وعيٍ منه.
لما وصل أوديب إلى طيبة، وجد المدينة في ارتباكٍ عظيم. هناك وحش يُسمَّى سفنكس، نصفه لأسد والنصف الآخر لامرأة، يُوقف كل المسافرين ويقدم لهم لغزًا، إذا لم يجيبوا عنه إجابة صحيحة، قتلهم. أما أوديب فتوجه إلى السفنكس في جرأة دون ما خوفٍ ولا وجل. فسأله السفنكس: «ما هو المخلوق الذي يمشي في أول النهار على أربعٍ، وفي الظهر على اثنتين، وفي الليل على ثلاث؟» فأجاب أوديب على الفور بقوله: «إنه الإنسان، الذي يحبو على يديه ورجليه طفلًا، ويقف منتصبًا يسير على قدمَيْن، وهو كامل النمو، وعندما يبلغ الشيخوخة في آخر حياته يحتاج إلى عُكَّاز.» فاغتاظ السفنكس، وقذف بنفسه من فوق صخرة عالية، فتهشَّمَتْ عظامه ومات.
وقيل: بل قتله أوديب بسيفه، ثم دخل أوديب مدينة طيبة فاستُقبل فيها استقبال الأبطال، وقرر أهلها توليه العرش الذي خلا بموت لاووس وتزويجه من جوكاستا أرملة الملك السابق. وبذلك تحققت النبوءة المشئومة كاملة بقتل أوديب أباه الحقيقي لاووس وزواجه من أمه الحقيقية جوكاستا وتوليه عرش طيبة، وأنجب من جوكاستا أطفالًا كانوا له إخوة وأبناء في نفس الوقت، ولم يستطع أوديب أن يفلت من حكم القضاء، وبالرغم من أن ما حدث كان تنفيذًا لإرادة الآلهة، فإن نفس الآلهة صبت نقمتها على المدينة واعتبرتها مدينة دنسة، فأرسلت على أهلها طاعونًا فتك بهم فتكًا ذريعًا، وكان ذلك بعد مضي سبعة عشر عامًا من تولي أوديب العرش، فضج شعب طيبة بالشكوى وأرسل يستشير العرافة من جديد، فقالت العرافة: إن الطاعون لن يكف عن المدينة ما لم تتطهر المدينة من دنسها بالتخلص من قاتل ملكها السابق لاووس، واجتمع الكهان وطالبوا أوديب بالبحث عن هذا القاتل، واستجاب أوديب كملك صالح لطلب شعبه فأخذ يُجري تحقيقًا، فإذا بالشواهد والأدلة تتراكم ضده شخصيًّا شيئًا فشيئًا، وهو يجاهد للتخلص أو الإفلات من الحقيقة الصاعقة التي تضيِّق عليه الخناق شيئًا فشيئًا، حتى انهار في النهاية وسلَّم بأنه القاتل الدنس، وأنه قد تزوج من أمه واغتصب عرش أبيه. وعندئذٍ فقأ عينيه حتى لا يعود يرى جوكاستا ولا أبناءه ثمرة علاقته الدنسة بأمه، بينما شنقت جوكاستا نفسها، وغادر أوديب مدينة طيبة متوكئًا على عصاه تسحبه ابنته أنتيجونا حتى استقر به المقام في غابة زيتون بضواحي آتينا، وفي هذه الغابة مات وأقيم له معبد دُفن به في آتينا.