يتساءل الكثير من الناس عن قراءة الفاتحة، وفضل قراءة سورة الفاتحة 100 مرة؛ حيث لقراءة الفاتحة فضل عظيم كما أكدت ذلك نصوص الشريعة الإسلامية؛ فالله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87].
قراءة سورة الفاتحة 100 مرة
سورة الفاتحة هي سورةٌ مكيَّةٌ تتكوَّن من سبعِ آياتٍ، سمِّيت بالفاتحة لافتتاح الكتاب بها، كما وسمِّيت أمُّ الكتاب لاشتمالها على معاني توحيد الله -عزَّ وجل-، والتعبُّد بأمر الله ونهيه، وبيان وعد الله ووعيده، وتسمَّى بالسَّبع المثاني؛ لأنَّها تتكوَّن من سبع آياتٍ، ولأنَّها تُثنَّى في الصَّلاة، أي: تُعاد، نزلت قبل هجرة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من مكَّة إلى المدينة.
انفردت سورة الفاتحة بفرضيّتها عن سائر السور في الصّلاة، إذ لا تصح صلاة العبد إلّا بتلاوتها، فهيَ رُكنٌ من أركانها، لقول الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ)، وقال العديد من العلماء إنّها أول ما نزل من القرآن الكريم، وكانت أوّل سورةٍ كاملة نَزَلت.
سورة الفاتحة هي أعظم سور القرآن الكريم، استناداً لما رواه أبي سعيد بن المعلى -رضي الله عنه-: (كُنْتُ أُصَلِّي في المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ثُمَّ قالَ لِي: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ السُّوَرِ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ. ثُمَّ أخَذَ بيَدِي، فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ، قُلتُ له: ألَمْ تَقُلْ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ؟ قالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ).
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- في فضلها أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (والذي نفسي بيده، ما أنزل اللهُ في التوراةِ ولا في الإنجيلِ ولا في الزبورِ ولا في الفرقانِ مثلَها، وإنها سبعٌ من المثاني والقرآنِ العظيمِ الذي أُعطيتُه).
أسرار سورة الفاتحة
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوْتِيتُه». رواه البخاري من حديث أبي سعيد بن المُعَلَّى رضي الله عنه.
ويقول لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «يَا جَابِرُ، أُخْبُرِكَ بِخَيْرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»، قال راوي الحديث: وأحسبه قال: «فِيَها شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
ومن فضائلها أنَّها أمّ القرآن، وتكفي عن غيرها ولا يكفي عنها غيرها؛ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ» رواه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
ويقول العلَّامة ابن القيم الحنبلي رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (4/ 347-348، ط. مؤسسة الرسالة): [فاتحة الكتاب، وأمّ القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن؛ لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنـزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك. ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك رَقى بها اللديغَ فبَرَأَ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ».
ومَن ساعده التوفيق وأُعِين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى مَن له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما، وأنَّ العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها- أغنته عن كثير من الأدوية والرُّقَى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه، وهذا أمرٌ يحتاج إلى استحداث فطرةٍ أخرى وعقلٍ آخر وإيمانٍ آخر] اهـ.
ومن أهم الدلائل على فضلها ما روى مسلمٌ والنسائي وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع نَقِيضًا -أي: صوتًا- مِن فوقه، فرفع رأسه فقال: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ»، فنزل منه مَلَكٌ فقال: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ»، فسَلَّم -يعني: الملَك- وقال: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ».
هبة ثواب قراءة الفاتحة للميت
هناك من يشيعون أن قراءة الفاتحة للميت لا يصل ثوابها إليه، وهذا اعتقاد خاطئ، لأنه أثناء صلاة الجنازة تقرأ الفاتحة أمام الميت تعبدًا لله تعالى واستشفاعًا لهذا الميت.
فى صلاة الجنازة نبدأ بالفاتحة ثم الصلاة على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم ندعو للميت، والعلماء قالوا: "تقرأ الفاتحة عند كل شيء فهى باب الخير كله".
ولا مانع شرعًا من اجتماع الناس على قراءةِ القرآن وخَتْمِهِ وهِبَةِ ثواب هذا العمل الصالح إلى الميت؛ سواء كان ذلك حال وفاته أو بعدها، في منزله أو في المسجد، عند القبر أو غيره، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة؛ منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقرَءُوا يس على مَوْتَاكُم» رواه أحمد وغيره، والحديث يشمل حال الاحتضار وبعده.
واستشهدت "الإفتاء" في إجابتها عن سؤال: "هل تكون قراءة الفاتحة أوغيرها من سور القرآن الكريم لكل متوفى على حدة أم يمكن إهداؤها للجميع دفعة واحدة؟"، أنه لا مانع من قراءة الفاتحة وهبة ثوابها للميت، كون ذلك لكل ميت واحد على حِدَة أو لعدة أموات مرة واحدة، مشيرة إلى أن كل ذلك جائز إن شاء الله تعالى.