قالت دار الإفتاء المصرية، إن نيل مصر أفضل الأنهار في هذه الدنيا وأحد عجائبها؛ فقد ذكره الله تعالى في كتابه وجعله آية من آياته، ومزجه بالرحمة، وملأه بالبركة، وأودع فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار، وأعظمها على الإطلاق؛ وقد وردت الآثار والأخبار التي تُقرِّر وتُبيِّن ذلك.
وأضافت دار الإفتاء في إجابتها على سؤال: هل ورد أن "نيل مصر" له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟ أن أفضلية نهر النيل ترجع إلى أنه النهر الذي تفرد بشرف الذِّكر في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها ما هو بالنص عليه والتصريح، ومنها ما هو بالإشارة والتلميح.
نهر النيل
فأما ورود ذكره في القرآن الكريم تصريحًا: فقد ذُكر نهر النيل باسم "اليم" -وهو لفظ عبراني يقصد به نهر النيل- ست مرات في القرآن الكريم، لبيان فضله مِن أنه آية من آيات الله تعالى ينجي بها عباده الذين اصطفى؛ وذلك فيما ذُكر في قصة سيدنا موسى عليه السلام، حيث كان نهر النيل هو الوسيلة التي اتخذتها أمُّ موسى بوحي من الله تعالى لنجاة ابنها، حيث حمله النهر إلى قصر فرعون سالمًا محفوظًا؛ حيث قال الله تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38-39]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].
وأما وروده في القرآن الكريم إشارة وتلميحًا: فقد وردت الإشارة إلى أنَّ نهر النيل في مصر مما يُستدل به على قدرة الله تعالى المطلقة وإعجاز خلقه في كونه، حيث يحدث به ظاهرة فيزيائية عجيبة وهي التقاء مائه العَذْب بماء البحر المالح، دون أن يمتزجا، فيظل ماؤه عذبًا رغم سريانه بالماء المالح، ولا تفسير لذلك إلا إطلاق قدرة الله تعالى وخالقيته، وتقع هذه الظاهرة في مدينة "رأس البر" بمحافظة دمياط حيث يشق أحد أفرع نهر النيل البحر المتوسط في منطقة تسمى "اللسان" وفي مشهد مبدع مميز مصدق لقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 53]، وقول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: 61]، وقول الله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19-20].
وقد وردت الإشارة إليه أنه من النعم التي تفضل الله تعالى بها على عباده من أهل مصرإلى الحد الذي يُعَدُّ معه خروجهم منها ومفارقتهم لنيلها من العقوبة التي يعاقبهم بها الله تعالى، وفي ذلك حثٌّ على دوام شكر الله تعالى وحمده على ما امتنَّ به على مصر من نعمة نهر النيل.
فضل نهر النيل
كما أنه النهر الذي تفرَّد بكثرة النصوص والآثار عن الصحابة والتابعين في ذكر أفضليته، ومن ذلك: ما روي عن يزيد بن أبي حبيب، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار: "هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال: إي، والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في كتاب الله أن الله يوحي إليه في كلِّ عام مرتين يوحي إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك يا نيل غُرْ حميدا".
وممَّا يُعلَم به أفضلية نهر النيل بالإضافة إلى ما قد سبق ذكره: اختصاصه مع بعض الأنهار بكثير من الفضائل والمزايا كنهر الفرات، وكنهري سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ؛ فقد جاء في "الصحيحين" عند ذكر قصة الإسراء والمعراج أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدث "أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، «مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ»؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ"، وجاء أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ: كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» رواه مسلم، والمراد من قوله "يخرج من أصلها" أي: "من أصل سدرة المنتهى" كما قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (2/ 224).
خصائص نهر النيل
وقد نص الأئمة والعلماء على أن هناك خصائص يمتاز بها نهر النيل عن غيره من الأنهار، وإن اشترك معه غيره في بعضها إلا أن خصائصه في المجمل أكثر وأعم منها جميعًا، ومن آحادها من باب أولى.
وقد عَدَّدَ العلماءُ والمؤرخون مزايا نهر النيل التي فُضِّل بها عن غيره، فذكروا مجموعاتٍ من الصفات التي تفرَّد بها عن غيره كخفته ولطافته، وأنه أبعد الأنهار مسافةً مِن مجراه إلى أقصاه، وأنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خَزٌّ ولا طُحْلُبٌ، وغير ذلك مما قرره العلماء وذكروه؛ مما دفع بعضهم -كما أشرنا سابقًا- إلى أن ينص على أن نهر النيل من سادات الأنهار وأشراف البحار.
وقد نصَّ العلماء على أن النيل من عجائب هذه الدنيا، وأنه مشتملٌ أيضًا على بعض العجائب، وكانت تلك المزايا والخصائص التي تفرد بها نهر النيل بفضل الله تعالى على مصرَ وأهلِها سببًا في أن يكون ماء نيل مصر أفضل المياه على الإطلاق كما نص على ذلك جمعٌ من علماء الأمة.