ما المقصود بـ «اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير»؟، سؤال نجيب عنه من خلال بيان الفرق بين الرضا والصبر.
اعبد الله على الرضا
أوضح الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية السابق، أن الرضا هو المصطلح الذي يساوي السعادة، "فإذا اختبرتني بأمر فيه شدة ورضيت، كما تختبرني بأمر فيه عطاء وأرضى"، مضيفا: لذا قال الله- سبحانه وتعالى- عن الصحابة “رضي الله عنهم ورضوا عنه”، ومعنى الرضا عن الله؛ هو الرضا عن أفعال الله فيه، أي، عن قضائه وقدره.
وعلق على العبارة التي تقول "اعبد الله بالرضا، فإن لم تستطع؛ فالصبر على ما تكره خير كثير"، ليقول إن القاعدة المقصودة في ذلك، هو أنك إن لم تجد ما تريد؛ فكن مريدا لما يكون، فإن أردت شيئًا ولم يحدث؛ فارض بما يحدث في الواقع.
وأشار إلى أن الإنسان قد يبتلى بمرض أو بضيق ذات اليد، فيرضى بقضاء الله، فالرضا من أعلى المقامات.
وقال إن الرضا، هو سكون القلب في الأمر القبيح والأمر المليح، أما إن كنت لا تستطيع أن تتحمل الابتلاء؛ فعليك بالصبر، "فإن لم ترضَ؛ فعلى الأقل تصبر صبرًا جميلًا"، فكلاهما خير، وإن كان الرضا أعلاهما، والصبر الجميل هو الصبر بلا شكوى.
ثمرة الرضا بقضاء الله وقدره
بينما أكد الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، أن المعاصي كلها أصلها من عدم الرضا، والطاعات كلها أصلها من الرضا بقضاء الله وقدره.
وأضاف الدكتور هاني عودة، أن الرضا عبادة قلبية ما أحوجنا إليها في عصرنا هذا، يذوق معها المؤمن طعم الإيمان وحلاوته، وهو أيضا علامة على صحة الإيمان؛ ومصداق ذلك ما جاء عن العباس بن عبد المطلب-رضي الله عنه- في الحديث الصحيح من قوله- صلى الله عليه وسلم":ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا"، وأن الله عز وجل وعلا بني إرادته على علم وحكمة وعفو ورحمة، فليس هناك أي أمر بلا ترتيب أو معرفة للعواقب أو تقدير للنتائج، وكل ذلك في غاية الرحمة واللطف بالعباد، حتى ولو كان الأمر في الظاهر أو الواقع على خلاف ذلك، كالمرض مثلاً يكرهه الإنسان ولا يحبه، وقد يكون فيه غاية اللطف والخير وعليه ثواب عظيم في الآخرة، وقد يغفر له بسببه من الذنوب والخطايا ما لا يعلمه إلا الله، ولو عرف فضله لتمنى أنه ظل مريضا طول عمره.
وبيّن مدير عام الجامع الأزهر، أن الله أراد بالقضاء والقدر طمأنة الناس بأن مستقبلهم بيده لا بيد العباد، حتى لا تخضع الرقاب إلا إليه، ويُعلم الناس أن العباد لا يمكنهم إنزال ضُر بأحد إلا إذا كان هذا الضُر قدرا مقضيَا، فالرضا هو باب الله الأعظم وجنة الدنيا، كما أن الذي يرضى بقضاء الله وقدره، فإن الله يملأ قلبه سعادة وسرورًا ورضًا، أما الذي يتسخط ويعترض، وينظر إلى غيره، فإنه يعيش في شقاء لا يعلمه إلا الله.
وأوضح أن مَن استقر الرضا في قلبه، امتلأ قلبه رضًا عن الله ويقينه، فصاحب الإيمان بالقدر يعيش عيشة هنيئة، ويحيا حياة كريمة طيبة؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه لن يصيبه إلا ما قدره الله له، ولن يُخطئه إلا ما قدره الله له، كما أن الرضا بقضاء الله وقدره يأتي على الوجه الصحيح بالكثير من الثمرات العظيمة والأخلاق الجميلة والعبوديات المختلفة التي يعود أثرها على الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة .
وشدد على أن ثمرات الرضا بقضاء الله وقدره كثيرة منها: الثمرات الإيمانية التي تعود على إيمان العبد بالزيادة، وثبات عقيدته، كما أن منها ثمرات أخلاقية تعود عليه بطيب النفس وحسن الخلق، بالإضافة إلى الثمرات النفسية الرائعة التي تكسب صاحبها السكينة والطمأنينة والراحة، وتضفي عليه الهدوء والأمان، كما أنه من أسباب غفران الذنوب والقضاء على الجشع والطمع والسخط في النفس، ليحل محلها رضاً وطمأنينة وتسليم.
ما أقامني الله في حالٍ فكرهته
يقول الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان هذا الكون ملك الله، والذي يرتبه هو الله، والذي يرسم أحداثه هو الله، والذي يَخْلُق كل شيءٍ فيه هو الله سبحانه وتعالى.
عقيدة مرتبطةٌ بالخُلُق، وهذا الخُلُق هو "التسليم والرضا"، وهذا يترتب عليه عدم الغضب، عدم الصدام، عدم العنف، يترتب عليه الرحمة، ويترتب عليه الهدوء النفسي، ويترتب عليه التوكل حق التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليه من السلوكيات الطيبة واللجوء إلى الله ودعاء الله، ويترتب عليه أيضًا شكر الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليه تعظيم النعمة التي أنعم الله علينا بها، ويترتب عليه ألا تخالف إرادتك إرادة الله سبحانه وتعالى.
كان هناك بعض العارفين - أبو عثمان الحيري - يقول: «منذ أربعين سنة، ما أقامني الله في حالٍ فكرهته» هذه الحكمة توضح لنا هذا الحال الطيب المستقر مع الله سبحانه وتعالى، «ما أقامني الله في حالٍ فكرهته» طبعًا الحال مُتَغَيِّر فقد يكون حال خير، وقد يكون حال ضيق وشدة، ولكنه كان راضي القلب في كلٍ من حال الضَّر والنفع، أو السرور والضيق والشدة، والنبي ﷺ يقول: «عَجَبٌ أَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ له خَيْرٌ فإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ» حتى الشوكة يشتاكها المؤمن تُكَفر عنه سيئاته، وتغفر ذنوبه، وترفع درجاته.
«منذ أربعين سنة، ما أقامني الله في حالٍ فكرهته، ولا نقلني إلى غيره فسخطته » يعني ينقله من حال إلى حال، من الفقر إلى الغنى، من الغنى إلى الفقر، من الفقر مرة ثانية إلى الغنى، وهو راضي؛ ولذلك كل ما يصدر عنه يصدر لله لا يتبرم، لا يعترض، لا يحدث عنده هَمّ وحَزَن يعطله عن إكمال الطريق، فإن سخط الإنسان الحالة التي يكون عليها، ويتشوف إلى الانتقال عنها بنفسه، وأراد أن يَحْدُثَ غير ما أظهره الله سبحانه وتعالى في الكون فقد بلغ غاية الجهل بربه، وأساء الأدب في حضرته سبحانه وتعالى.
هذه الحكمة مرتبطة بمجموعة من الأخلاقيات تصل بك في النهاية إلى الله رب العالمين، تصل بك في النهاية إلى أن تكون مؤدبًا مع الله؛ ولذلك كان من دعاء الصالحين: «اللهم علمنا الأدب معك».