لاشك أن تفسير قوله ونفخت فيه من روحي يفتح لنا إحدى بوابات أسرار الروح وكيفية نفخها ، وهو الأمر الذي يكثر فيه الجدل والاعتقادات الخاطئة وغير الصحيحة ، ومنعًا للبس وحسمًا لمزاعم ودعاوى الملحدين بأن الروح خرافة ، فإنه ينبغي الوقوف على تفسير قوله ونفخت فيه من روحي .
ونفخت فيه من روحي
قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: إن الروح تعتبر جوهرًا نورانيًا، وهي المسؤولة عن وصل الإنسان بالله سبحانه وتعالى.
وأوضح “ الورداني” ، أن الروح هي التي تجعل الحياة تدب في الإنسان وتكون سببًا لاستمرار وجود الإنسان ، منوهًا بأن هناك مفاهيم خاطئة حول الروح، تتعلق بعدم الفهم الدقيق لقوله تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) الآية 29 من سورة الحجر .
وأضاف أن هناك بعض الناس يعتقدون أن الروح تُعتبر سرًّا نورانيًّا مُنزلًا من الله عز وجل، لكن الحقيقة أن الروح تعزز اتصالنا بالله سبحانه وتعالى ، ولا ينبغي إحاطتها بفهم محدود، مشيرًا إلى أن الروح ليست لتقييدنا، بل لتساعدنا على الانطلاق والوصول إلى عوالم ومكانات أكبر.
وأشار إلى أنه قد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) الآية 85 من سورة الإسراء، فهنا يُشير القرآن إلى أهمية البحث في الروح دون محاولة إحاطتها.
وفند تحديات الفهم لدى بعض الملحدين والمجسّمة، الذين يرون أن الروح خرافة، مؤكدًا أن الروح تساعد الإنسان في الانتقال من ضيق هذا العالم إلى عوالم أخرى، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها.
وحذر من المفهوم الخاطئ الذي يربط بين الروح وجزء إلهي في الإنسان، مشددًا على أن هذا التصور قد يؤدي إلى استنزاف الروح بدلاً من استثمارها، فالروح مخلوق عظيم مليء بالأسرار، أُوجد في الإنسان ليجمع بين الجزء الطيني والجزء النوراني، مما يساعده على الاقتراب من الله سبحانه وتعالى.
تفسير قوله ونفخت فيه من روحي
ورد في تفسير قوله ونفخت فيه من روحي ، أن قوله ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) يقول تعالى ذكره: فإذا سويت خلقه، وعدلت صورته، ونفخت فيه من روحي, قيل: عني بذلك: ونفخت فيه من قُدرتي.
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قال: من قدرتي، ( فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) يقول: فاسجدوا له وخِرّوا له سُجَّدا.
المراد بقوله ونفخت فيه من روحي
ورد أن الله تعالى إنما أضاف الروح إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم كما تقول: بيت الله، وعبد الله، فكذلك روح الله، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله قائمة به، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإذا كان المضاف عينًا قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلام وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى؛ لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره. اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي : النفخ إجراء الريح في الشيء، والروح جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم، وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه، أضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا كقوله: أرضي وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله، ومثله: وروح منه. اهـ. واعلم أن الشر لا ينتج من الروح مفردة، وإنما من اجتماعها بالبدن.
وقال ابن القيم رحمه الله: وباجتماع الروح مع البدن تصير النفس فاجرة أو تقية، وإلا فالروح بدون البدن لا فجور لها. اهـ.، ومن هنا نعلم أن الروح من خلق الله، وإنما تحل الروح بدن الإنسان عن طريق الملك الموكل بالأرحام بأمر من الله تعالى، كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح... الحديث.
و قد بيَّن الله تعالى للعبد طريق الخير وحضّه على سلوكه، وبيَّن له طريق الشر وحذره منه، قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10]. أي طريق الخير والشر، ثم إن العبد قد يختار طريق الشر فإذا ارتكب الشرور والقبائح تكتسب روحه الشر الذي تلبّس به فتصبح روحًا خبيثة شريرة، فإذا عذبت الروح فلكون صاحب البدن الذي حلت به كان يفعل الشر ويصر عليه.