أعلنت جيبوتي عرضها على إثيوبيا إدارة كاملة لميناء تاجوراء شمالي البلاد. هذه المبادرة تأتي في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تصاعدًا للتوترات بين إثيوبيا، الصومال، وأرض الصومال، مما يثير تساؤلات حول الدوافع الجيبوتية وإمكانية نجاح هذه المبادرة.
عرض جيبوتي لإثيوبيا
في حديث لوزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، لشبكة "بي بي سي" في 31 أغسطس 2024، أعلن أن بلاده قدمت لإثيوبيا عرضًا يمنحها الاستخدام الحصري لميناء تاجوراء كجزء من مساعي تهدئة التوترات المتزايدة في القرن الإفريقي.
وأشار إلى أن هذا المقترح تمت مناقشته مسبقًا، ومن المتوقع بحثه مجددًا خلال القمة الصينية الأفريقية بين الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
ومن جانبها، قالت الدكتورة أسماء الحسيني، مديرة تحرير الأهرام والمتخصصة في الشأن الإفريقي، إن عرض جيبوتي لإثيوبيا بإدارة ميناء تاجوراء جاء نتيجة لمخاوف اقتصادية وسياسية.
وأضافت الحسيني في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الاتفاق بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال لاستخدام ميناء بربرة أثار توترات مع الصومال، التي اعتبرته انتهاكًا لسيادتها، لافتة إلى أن جيبوتي تعتمد بشكل كبير على الرسوم التي تحصل عليها من إثيوبيا، والتي تشكل نسبة كبيرة من ناتجها المحلي، وتسعى لتعويض استثماراتها الكبيرة في تطوير ميناء تاجوراء.
ولفتت الحسيني إلى أن جيبوتي قلقة من تصاعد التوترات في المنطقة وتأثيرها على استقرارها.
من جانبها، تسعى إثيوبيا لتوسيع نفوذها الإقليمي وبناء قدرات بحرية، مما يجعل العرض الجيبوتي أقل جاذبية لها، الحسيني حذرت من أن محاولات إثيوبيا لفرض نفوذها قد تؤدي إلى تصعيد وصراعات مسلحة تضر بمصالحها.
يذكر أن الأزمة بين إثيوبيا ومقديشو تفاقمت بعدما وقعت أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال تسمح لها باستئجار شريط ساحلي مقابل الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة.
واعتبرت مقديشو هذا الاتفاق انتهاكًا لسيادتها، مما زاد من حدة التوترات بين الجانبين، وفي ظل هذه الظروف، جاء عرض جيبوتي كإجراء لتجنب خسائر استراتيجية قد تترتب على تحول التجارة الإثيوبية نحو ميناء بربرة في أرض الصومال.
ويعتمد الاقتصاد الجيبوتي بشكل كبير على التعاون التجاري مع إثيوبيا، حيث تشكل الرسوم المتحصلة من إثيوبيا حوالي 1.5 إلى ملياري دولار سنويًا، وهو ما يمثل أحد أكبر المداخيل الحكومية.
ومنذ الحرب الإثيوبية الإريترية (1998-2000)، أصبحت جيبوتي المنفذ البحري الرئيسي لإثيوبيا التي تعتمد عليها لنقل 95% من وارداتها وصادراتها.
والتوتر بين إثيوبيا والصومال قد يدفع أديس أبابا إلى تطوير تعاونها مع ميناء بربرة، وهو ما يشكل تهديدًا اقتصاديًا كبيرًا لجيبوتي.
وشهدميناء بربرة مؤخرًا تحسنًا في تصنيفات مؤشر أداء موانئ الحاويات لعام 2023، حيث ارتقى إلى المرتبة 106 عالميًا، بينما تراجع ميناء جيبوتي إلى المركز 379، مما يزيد من المخاوف الجيبوتية حول مستقبلها كمحور تجاري رئيسي في المنطقة.
ويمثل ميناء تاجوراء، الذي تم تطويره بقروض بلغت 90 مليون دولار، استثمارًا هامًا لجيبوتي، حيث تم إنفاق 156 مليون دولار إضافية لإنشاء طريق يربط الميناء بالحدود الإثيوبية.
ويوفر الميناء منفذًا بحريًا هامًا لإثيوبيا لنقل المواد الخام مثل البوتاس والحجر الجيري، وقد صُمم لاستيعاب سفن تصل حمولتها إلى 80 ألف طن.
وتسعىجيبوتي إلى تعزيز مكانتها الدبلوماسية في المنطقة من خلال لعب دور الوسيط في حل النزاعات الإقليمية، وقد سبق لها أن استضافت محادثات أفضت إلى اتفاق بريتوريا بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وتساهم هذه الجهود في دعم الحملة التي يقودها وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف للفوز بمنصب رئاسة الاتحاد الأفريقي.
ورغم الفوائد المحتملة من إدارة ميناء تاجوراء، تواجه هذه المبادرة عدة عقبات، وتسعىإثيوبيا إلى تنويع منافذها البحرية وعدم الاعتماد الكامل على جيبوتي، كما تطمح إلى بناء قوة بحرية خاصة بها، وهو ما يجعل ميناء بربرة خيارًا استراتيجيًا أفضل.
وتأتي المبادرة الجيبوتية في سياق حساس ومعقد يتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الاقتصادية والدبلوماسية، نجاح هذه المبادرة قد يسهم في تخفيف التوترات في القرن الإفريقي، مما يتيح لجيبوتي تعزيز دورها كوسيط إقليمي فعال، لكن مع تزايد التنافس الإقليمي وتدخل القوى الخارجية، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة جيبوتي على الحفاظ على موقعها الاستراتيجي في المنطقة.