تقترب مصر من تحقيق حلمها النووي (مشروع القرن الحادي والعشرين) بدخول عصر التكنولوجيا النووية السلمية، والذي يعد تتويجًا لسنوات عديدة من الجهود المصرية لإدخال الطاقة النووية.
بدأ الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة برنامج زيارته إلى العاصمة الروسية موسكو بلقاء أندري بيتروف النائب الأول لمدير عام المؤسسة الحكومية الروسية للطاقة الذرية «روسآتوم» ورئيس شركة «آتوم ستروي إكسبورت» القائمة على تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة والوفد المرافق له، عقب وصوله، للمشاركة في اجتماعات وزراء الطاقة لدول البريكس وأسبوع الطاقة الروسي.
مشروع المحطة النووية بالضبعة
وأشار وزارة الكهرباء في بيان إلى أنه تم عقد اجتماع بحضور الدكتور أمجد الوكيل رئيس هيئة المحطات النووية، ومشاركة نزيه التجاري، سفير مصر لدى روسيا لمناقشة مستجدات تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة ضمن برنامج مصر النووي السلمي لتوليد الكهرباء.
واستعرض وزير الكهرباء برنامج العمل والمخطط الزمني والبرامج التدريبية ومراحلها المختلفة ومنح رخص التشغيل لكوادر «المحطات النووية» ودور المحطة المرجعية في ليننجراد ومركز التدريب التابع لها في تأهيل وتدريب ومنح الصلاحية للأطقم التابعة لهيئة المحطات النووية.
وتعكس هذه الزيارة تطلع مصر إلى الاستفادة من الطاقة النووية كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة، مما يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة في البلاد، وذلك اتساقاً مع رؤية مصر 2030 والتي تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز التنمية المستدامة. هذا وتمثل هذه الخطوات جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، مع التركيز على حماية البيئة وتطوير الموارد البشرية لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق الأهداف التنموية المستقبلية.
من جانبه، قال الدكتور علي عبد النبي، خبير الطاقة ونائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقًا، إن إنشاء محطة نووية في مصر كان حلمًا منذ الخمسينيات بهدف توليد الكهرباء وتطبيقات أخرى، وتحقق هذا الحلم بإرادة سياسية قوية في عام 2015، حيث تم تنفيذ المشروع بالشراكة مع روسيا في ديسمبر 2017 على ثلاث مراحل تشمل التحضيرات، البناء، واختبارات التشغيل، حتى تسليم الوحدة النووية وتشغيلها.
أوضح عبد النبي لـ صدى البلد، أن محطة الضبعة النووية تضم أربع وحدات نووية كبداية لمشروع أوسع قد يصل إلى 30 محطة. المحطة يمكنها استيعاب من 8 إلى 12 وحدة، مع احتمالية إقامة وحدات أخرى في مواقع مجاورة مثل "غرب الضبعة".
تابع: يعد المشروع جزءًا من إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة (رؤية مصر 2030) ويوفر فوائد عديدة مثل توطين التكنولوجيا النووية، تنويع مصادر الطاقة، إنتاج طاقة عالية، والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما يساهم في تقليل تكلفة الوقود وزيادة الاعتمادية في تلبية الطلب على الكهرباء.
وأضاف أن المشروع يوفر فرص عمل للمصريين ويزيد من المشاركة المحلية في إنشاء المحطة. يعزز المشروع البحث والتطوير، ويحافظ على البيئة بفضل انعدام انبعاثات الكربون.
وأكد عبد النبي أن محطة الضبعة تحقق أعلى معايير الأمن والسلامة النووية، مما يجعلها مشروعًا هامًا بين مصر وروسيا، سيعزز الاقتصاد المصري ويطور الصناعات ويوفر فرص عمل متقدمة.
وبدأت مؤسسة "روساتوم" الحكومية الروسية في تصنيع معدات مفاعل الوحدة الرابعة في محطة الضبعة النووية في مصر.
وتعمل شركات صناعة الصلب التابعة لـ"روسآتوم" بصب الفولاذ لمعدات مفاعل الوحدة الرابعة في محطة الضبعة النووية، والتي يتم بناؤها في مصر وفق أحدث تصميم روسي.
وصناعة الصلب هي المرحلة الأولى في تصنيع المعدات. وللبدء في تصنيع معدات الوحدة الرابعة من محطة الطاقة النووية المصرية، سيقوم علماء المعادن بصهر 192 طنا من المعدن، والتي سيتم تصنيع وصب جزء من وعاء المفاعل النووي منها لاحقا.
وبعد الصب، يخضع المعدن للمعالجة في فرن ثم يتم إرساله لكي يبرد لمدة يومين.وبعد ذلك، يتم نقل الهيكل المعدني إلى منشأة أخرى لإعطاء الشكل والأبعاد المطلوبة لوعاء المفاعل.
جدير بالذكر، أن الرئيسين عبد الفتاح السيسي، وفلاديمير بوتين وقعا في ديسمبر 2017 الاتفاقات النهائية لبناء محطة الضبعة خلال زيارة الرئيس الروسي للقاهرة، وستضم محطة الضبعة أربعة مفاعلات من الجيل "3+" العاملة بالماء المضغوط باستطاعة إجمالية 4800 ميجاواط بواقع 1200 ميجاواط لكل منها، ومن المقرر إطلاق المفاعل الأول عام 2028. وتشيد شركة "روسآتوم" محطة "الضبعة" بأفضل التقنيات وأعلى معايير الأمان والسلامة عالميا، حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المحطة النووية بالضبعة هي أول محطة نووية لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مصر، ويتم انشاءها في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتبعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة.
وتتكون المحطة النووية بالضبعة من أربع وحدات للطاقة بقدرة 1200 ميجاوات لكل منها، مزودة بمفاعلات الماء المضغوط من الطراز الروسي VVER-1200 من الجيل الثالث المُطور، التي تعد أحدث تقنيات الجيل والمطبقة بالفعل بمشاريع تعمل بنجاح في الوقت الحالي.
وتحقق محطة الضبعة النووية دفعة هائلة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، وهذا المشروع يمثل أمناً قومياً تكنولوجياً لجمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى أن المشروع أمن قومي للطاقة الكهربائية النظيفة والرخيصة للوفاء باحتياجات نهضة البلاد وتنميتها. فخطة «مزيج الطاقة» هي الخطة الإستراتيجية للدولة في توليد الطاقة الكهربائية.
بداية الحلم النووي
بدأ الحلم النووي المصري السلمي عام 1956 عندما وقع الرئيس جمال عبد الناصر عقد الاتفاق الثنائي مع روسيا بشأن التعاون في شؤون الطاقة الذرية وتطبيقاتها في النواحي السلمية، وغيرها من الاتفاقيات والعقود التي تتيح لمصر الدخول إلى العالم النووي. ولكن توقف البرنامج أكثر من 4 مرات قبل اتخاذ القرار الاستراتيجي للدولة المصرية عام 2014، عندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مشروع الضبعة، أحد أهم المشروعات القومية التي يتبناها ليكون بذلك الباعث الحقيقي للبرنامج النووي المصري السلمي بعد توقف استمر قرابة 68 عامًا.
حيث إنه في عام 1964، طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميجاوات، وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم بمنطقة برج العرب، ولكنها توقفت بسبب العدوان الإسرائيلي. ثم أعيد طرح مناقصة محدودة بين الشركات الأمريكية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بسيدي كرير عام 1974، لكن المشروع توقف لفرض أمريكا شروطًا عرقلت التنفيذ.
وفي عام 1980، تم اختيار موقع الضبعة لإنشاء محطة مصر النووية، وصدر القرار الجمهوري بتخصيص موقع الضبعة لإقامة مشروع المحطة النووية في عام 1981، ولكن توقف المشروع نتيجة حادث مفاعل تشيرنوبل بالاتحاد السوفيتي (سابقًا) عام 1986، إلى أن قررت القيادة السياسية إحياء المشروع مرة أخرى بتوقيع اتفاقية حكومية إطارية بين مصر وروسيا بشأن التعاون في مجال بناء وتشغيل أول محطة للطاقة النووية في مصر باستخدام التكنولوجيا الروسية في 19 نوفمبر 2015.