قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

منال الشرقاوي تكتب: الإسكندرية بطلة المشهد في مهرجانها السينمائي

×

عندما تُذكر السينما في مصر، تتجه الأنظار مباشرة إلى الإسكندرية، المدينة التي كانت شاهدة على أول عرض سينمائي في البلاد عام 1896، لتصبح ثاني مدينة في العالم تعرف شاشات السينما، وذلك بعد عام واحد فقط من أول عرض في باريس. تلك اللحظة لم تكن مجرد بداية لعصر جديد، بل كانت بداية لقصة طويلة من الإبداع والتميز. في عام 1897، افتُتحت أول صالة عرض للأخوين لوميير في الإسكندرية، لتصبح المدينة سرعان ما أصبحت الإسكندرية رائدة في عالم السينما.
ومع اقتراب موعد الدورة الأربعين لمهرجان الإسكندرية السينمائي، المنتظر إقامته في الأول من أكتوبر 2024، يعود الحنين إلى تلك الروح السينمائية التي لطالما نبضت بها الإسكندرية. طوال عقود طويلة، شكل المهرجان واحدًا من أبرز الفعاليات الثقافية والفنية في المنطقة، حيث اجتمع صناع السينما والفنانين من جميع أنحاء العالم للاحتفاء بالفن السابع في مدينة تمتد حضارتها لآلاف السنين وتتنفس الفن بعمق. الإسكندرية ليست مجرد مدينة تستضيف المهرجان، بل هي دائمًا البطل الحقيقي للمشهد، مدينة تعيش على إيقاع الفن والثقافة. ضفاف البحر المتوسط أصبحت منصة مفتوحة لمهرجان يدعم الإبداع السينمائي، حيث يلتقي التنوع مع الأصالة في هذا الحدث السنوي. مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي كذلك يحمل إرثًا غنيًا يمتد منذ عام 1979، حيث تأسس على يد الجمعية المصرية لكتّاب ونقّاد السينما بهدف تسليط الضوء على الإنتاج السينمائي في حوض البحر الأبيض المتوسط. وسرعان ما تحول المهرجان إلى جسر يمتد بين ضفتي المتوسط، يحمل على أكتافه ثقافات الشعوب المختلفة. جسر يربط الشرق بالغرب، ليس بالحجارة والإسمنت، بل بقصص البشر وأحلامهم التي تتلاقى عبر لغة السينما.
هذه الدورة تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت والاحتفاء بالكثير من الشخصيات السينمائية التي تركت بصمتها في عالم الفن، لعل أبرزها إطلاق "جائزة أحمد الحضري". الحضري ذلك الرجل الذي عرفناه ناقدًا ومؤرخًا سينمائيًا، وهو واحد من أولئك الذين كتبوا تاريخ السينما المصرية بيد مملوءة بالشغف والعلم. اليوم، بعد سنوات من رحيله، يكرمه المهرجان بجائزة تحمل اسمه لأفضل فيلما مصريا قصيراً يناقش القضايا الإنسانية، وكأن تلك الأفلام التي ستنافس في هذه الفئة تعيد بعث شغفه واهتمامه بالقضايا التي تلامس جوهر الإنسانية. تسعة أفلام مصرية قصيرة ستتنافس على الجائزة هذا العام، مما يضيف بُعد جديد لتلك المنافسات التي تتجاوز مجرد الحصول على جائزة مالية قيمتها 20 ألف جنيه، إلى ترك بصمة إنسانية وأخلاقية.
لكن المهرجان لا يتوقف عند تلك الجائزة فقط. إنه مهرجان يحتفي بالمواهب الشابة ويسعى إلى تمكينها من خلال ورشة إخراج يقودها المخرج الكبير "علي بدرخان"، الذي يحمل في جعبته خبرات طويلة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، حين بدأ مسيرته مع السينما وتعلم في أروقة السينما الإيطالية.
مهرجان الإسكندرية السينمائي ليس مجرد حدث سنوي، بل هو نقطة تلاقٍ بين الأجيال والأفكار، حيث يجمع من صنعوا تاريخ السينما مع أولئك الذين يسعون لكتابة المستقبل. وفي خضم هذا الاحتفاء بالفن، تأتي "لجنة تحكيم مسابقة أفلام شباب مصر" لتكون حاضرة بقوة. اللجنة، برئاسة الفنان "خالد سرحان" وعضوية الفنانتين "رانيا محمود يس" و"نهى عابدين"، ستتولى اللجنة مهمة صعبة؛ ففي هذا العام، يتنافس 50 فيلمًا قصيرًا بين الروائي والتسجيلي.
مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ40 لعام 2024 يعلن أيضاً عن دعمه للقضية الفل..سط..يني..ة من خلال برنامج خاص يتضمن عرض تسعة أفلام تسلط الضوء على معاناة الشعب الفل..سط..يني. تتنوع الأفلام بين الروائية والوثائقية، منها فيلم "بلا جواب" الذي يستند إلى رسائل من أرشيف النضال ، و"الحجارة الناطقة" الذي يستعرض تاريخ المسجد الأقصى. كما تشمل القائمة فيلمًا عن الصحفية الش.هي.دة شيرين أبو عاقلة، وأفلامًا توثق قضايا الأس.رى وفناني غ.زة. يشارك في هذا البرنامج مصر والعراق بأفلام تناقش تأثير العدوان على المدنيين.
لطالما كان مهرجان الإسكندرية السينمائي ملتقى للفن والأصالة، وها هو في دورته الأربعين، يحتفي بكبار رموز السينما المصرية والعالمية. في هذا العام، سيُطلق اسم النجمة الأسطورية "نيللي" على الدورة، تكريمًا لمسيرتها الطويلة التي صنعت من خلالها حالة خاصة في عالم الاستعراض والتلفزيون، يأتي تكريم النجمة نيللي كأيقونة للفن الاستعراضي والسينمائي، فهي التي أثرت وجدان الجمهور العربي بأعمالها، خاصة من خلال فوازير رمضان، التي استمرت لأكثر من 15 عامًا. قدمت نيللي مجموعة من الأفلام التي تنوعت بين الدراما الاجتماعية والرومانسية، مثل "العذاب امرأة" ، "الليالي الدافئة". كما شاركت في أعمال مليئة بالإثارة مثل "المغامرة الكبرى" و"مجرم تحت الاختبار". كما قدمت أفلام ذات طابع اجتماعي عميق مثل "الشحات" و"قاع المدينة" الذي تناول قضايا الفقر. أعمالها المسرحية مثل "دنيا حواء" ومسلسلاتها مثل "ألف ليلة وليلة" و"عروس البحر" رسخت مكانتها كواحدة من أبرز نجمات الشاشة.
منة شلبي، تلك الفتاة التي انطلقت كالسهم في سماء السينما منذ ظهورها الأول في فيلم "الساحر" عام 2001، استطاعت بموهبتها الفذة أن تحفر لنفسها مكانة لا تُمحى. هي ليست مجرد ممثلة، بل فنانة تجسد التعقيد الإنساني بكل تفاصيله. أدوارها ليست متكررة. تستطيع ببراعة أن تمزج بين الرقة والقسوة، بين الضحك والدموع. في الدورة الأربعين من مهرجان الإسكندرية السينمائي، ستحظى منة شلبي بتكريم يليق برحلة زاخرة بالنجاحات. تلك الرحلة التي بدأت من الشاشة الفضية وانتقلت إلى قلوب الناس بأدوارها في أفلام مثل "أحلى الأوقات" و"هي فوضى"، ومسلسلات مثل "نيران صديقة" و"واحة الغروب". ولكن ليس فقط نجاحها الفني ما يميزها، بل قدرتها على استخدام شهرتها في دعم القضايا الإنسانية. من حقوق المرأة إلى تمكين الشباب، منة شلبي ليست مجرد فنانة تملأ الشاشة، بل واحدة ممن يسعون لإحداث فارق في المجتمع. تكريمها في هذا المهرجان هو اعتراف بمسيرتها الفنية الحافلة، لكن أيضًا بإسهامها في صنع التغيير. في هذه الدورة سيُكرَّم الفنان القدير لطفي لبيب، رمز السينما المصرية الذي أثرى الفن بأدواره المميزة، سواء في الكوميديا أو الدراما.
وفي إطار تعزيز التبادل الثقافي والفني، سيكرم مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الأربعين، الممثلة المغربية سعاد خويي، ، التي عرفها الجمهور من خلال أدائها القوي على خشبة المسرح وشاشات التلفزيون. وفي سياق التقدير العالمي، يأتي تكريم كل من النجمة الفرنسية آن باريلود والنجم الإيطالي أنطونيو دي ماتيو، تقديرًا لمساهماتهما الفنية الرائعة التي أضاءت الشاشة الأوروبية والعالمية.
الدورة الجديدة لمهرجان الإسكندرية السينمائي تأتي في وقت يشهد فيه العالم السينمائي تغيرات جذرية. فمع التطور التكنولوجي المتسارع وتوجهات الجمهور نحو منصات البث الرقمي، يبقى المهرجان بمكانة حلقة وصل بين الأصالة والتجديد، بين الأفلام التقليدية التي تُعرض في دور السينما وبين الإبداعات الجديدة التي تعتمد على تقنيات حديثة ووسائل عرض متطورة. ومع اقتراب انطلاق دورته الجديدة في أكتوبر 2024، يعود المهرجان ليؤكد مجددًا أن السينما، بكل ما تحمله من سحر وتأثير، تظل وسيلة لا غنى عنها لفهم الذات والعالم من حولنا. وفي الإسكندرية مدينة السينما، تلك المدينة التي ولدت من رحم الحضارات، تظل السينما شاهدة على الريادة الفنية.
وتعلنها للعالم .. "السينما بدأت من عندنا".