لاشك أن قصة انشقاق القمر هي إحدى قصص القرآن الكريم ، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ، كما أن قصة انشقاق القمر تعد إحدى معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم - ، ولعل ما يثير الفضول حول معرفة قصة انشقاق القمر هو أنها دليل على اقتراب قيام الساعة.
قصة انشقاق القمر
وردت قصة انشقاق القمر من معجزات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث سأل أهل مكة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فانشق القمر وانفلق فلقتين فذهبت فلقة وبقيت فلقة، ورغم ذلك أعرضوا عنه.
ورد أنه انشقّ القمر في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر ذلك في القرآن في قوله الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)، وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك: "أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فأرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حتَّى رَأَوْا حِرَاءً بيْنَهُمَا".
وذكر المفسرون أنّ سبب نزول الآية؛ هو طلب المشركين منه -صلى الله عليه وسلم- معجزةً توضّح صدق نبوّته، واختاروا أن يشقّ لهم القمر، ووعدوه بأن يأمنوا إن فعل ذلك، وكانت ليلة الرابع عشر من الشهر الهجريّ؛ وهي الليلة التي يكون القمر فيها واضحًا، وبدرًا في أتمّ حاله؛ فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربّه أن يحقّق ذلك؛ فانشق القمر إلى نصفين: نصفٌ على جبل الصفا، ونصفٌ على جبل قيقعان المقابل له.
وذكر السعديّ في تفسيره بأنّ معنى الآية أنّ يوم القيامة اقترب، وانقسم القمر إلى قسمين، حين سأل كفار مكة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أن يريهم معجزةً؛ فقام -عليه الصلاة والسلام- بدعاء الله فأراهم هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشْهَدُوا اشْهَدُوا)، فقال المشركون: "سَحَرَ محمدٌ أعينَنا"؛ فنزلت الآية. وبعد حصول هذه الآية الجليلة، لم تصدّق قريش بها واعتبرتها سحرًا، وهذا من فعل المشركين الذين يطلبون آيةً، ثمّ إذا حصلت طمس الله على قلوبهم، وأعرضوا عنها ولكن الله سبحانه لهم بالمرصاد: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- قوله: "إنَّ القَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وورد أن حادثة انشقاق القمر من المعجزات التي أيّد الله بها نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم، وهي حادثةٌ انشقّ القمر فيها إلى شقين، حتى أنّ بعض الصحابة رأى جبل حراء بين هذين الشقين، وكان وقوع هذه المعجزة قبل هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة؛ وذلك عندما طلب كفّار مكّة من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- آيةً تدلّ على صدق دعوته ونبوته.
وجاء في الحديث النبويّ الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه: (أنَّ أهلَ مكَّةَ سألُوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُريَهُم آيَةً، فأراهُمُ القمَرَ شِقَّينِ، حتى رأوْا حِراءً بَينهُما)، وتعتبر هذه المعجزة إحدى علامات الساعة التي أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بوقوعها؛ فقال: (خمسٌ قد مَضَيْنَ: الدخانُ، والقمرُ، والرومُ، والبطشةُ، واللِّزَامُ، فسوف يكون لزاما).
وورد ذكر هذه الحادثة أيضاً في القرآن الكريم مقروناً باقتراب الساعة، فقال الله سبحانه وتعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)، أمّا بالنسبة للمشركين؛ فقد كان موقفهم كما هو معهودٌ منهم تجاه ما يأتيهم به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من التكذيب والإعراض، ووصف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالسحر.
تفسير آية اقتربت الساعة وانشق القمر
ورد في تفسير الآية اقتربت الساعة أي اقترب الوقت الذي ستقوم فيه الساعة، واحتمال أن يكون القصد بأنّ ما بقي من الوقت بعد بعثة النبيّ -عليه أفضل الصلاة والسلام- قليلٌ بالنسبة لما مرّ، ويدلّ على ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شق يسير، فقال: "خطبَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعدَ العصرِ وقد كادَتِ الشَّمسُ تغيبُ فقالَ والَّذي نفسي بيدِه ما بقِيَ من دُنياكم إلَّا كما بقيَ من يومِكم هذا فيما مضَى منهُ"، ويعدّ هذا إنذارًا من الله سبحانه للناس باقتراب يوم القيامة، واقتراب زوال الدنيا؛ حيث أمرهم بأن يتأهّبوا لأهوال يوم القيامة الذي هم عنه غافلون، ومعنى انشقّ القمر؛ أي انفلق كما ذكرنا سابقًا، وقد حصل ذلك فعلًا في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
موقف المشركين من حادثة انشقاق القمر
ورد أن منذ بداية بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمشركون يسعون للحدّ من وصول دعوته إلى الناس، مستخدمين لأجل هذه الغاية شتى الأساليب، فكان من أساليبهم؛ السخرية والتكذيب، والاستهزاء بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وبرسالته، ورميه بشتى التهم وتحذير الناس منه، ومطالبته بالإتيان بالمعجزات التي تثبت صدق دعوته ونبوته، مظهرين له استعدادهم أن يتبعوه ويؤمنوا به إذا جاءهم بما طلبوا، وفي الحقيقة هم يريدون بطلبهم تعجيزه ـصلّى الله عليه وسلّم- وإيقاعه في الحرج، وقد فضحهم الله تعالى وأخبر بنواياهم.
وقال الله سبحانه وتعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ* مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)، ومع كثرة سؤالهم أن يريهم آيةً، استجاب الله لطلبهم، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا جبل حراء بينهما، وبالرغم من عِظم هذه المعجزة إلا أنّ قلوب المشركين جعلتهم لا يؤمنون، بل واتهموا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالسحر، قال ابن كثير رحمه الله: (إنّ فيما اعترض به المشركون على رسول الله ـصلّى الله عليه وسلّم- وما تعنتوا له في أسئلتهم إياه أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه طلب الهدى والرشاد).
العلم الحديث وحادثة انشقاق القمر
أظهرت الدراسات العلمية الحديثة التي أجريت على سطح القمر، أنّه يوجد على سطح القمر شبكة عنكبوتيّةٌ من الصدوع والشقوق والشروخ الغريبة، وأنّه في فترةٍ لاحقةٍ من الزمن أغرقت الحمم البركانية مناطق منخفضةً في الجزء الخارجي لسطح القمر، وقامت بتغطية الشقوق (الصدوع)، كما وقد أثبتت الدراسات التي أجراها العلماء على تلك الصدوع والأودية الموجودة على سطح القمر، والتي قامت بها وكالة ناسا؛ أنّها تكوّنت نتيجة حدوث كسرٍ وشقٍّ حصل في القمر، وتبيّن لهم وجود صدوعٍ كبيرةٍ على سطحه، ممّا يؤيّد حصول حادثة انشقاق القمر ويؤكّدها علمياً.